إلى مسجد الخيف فدخله ونادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه، وذكر خطبته، ثم قال فيها: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين: الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل طرف بيد الله تعالى وطرف بأيديكم فتمسكوا به، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين سبابته والوسطى - فتفضل هذه على هذه.
قال مصنف كتاب " النشر والطي ": فاجتمع قوم وقالوا: يريد محمد صلى الله عليه وآله أن يجعل الإمامة في أهل بيته، فخرج منهم أربعة ودخلوا إلى مكة، ودخلوا الكعبة وكتبوا فيما بينهم إن أمات الله محمد أو قتل لا يرد هذا الامر في أهل بيته، فأنزل الله تعالى " أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون (1) ".
أقول: فانظر هذا التدريج من النبي صلى الله عليه وآله والتلطف من الله تعالى في نصه على مولانا علي صلوات الله عليه، فأول أمره بالمدينة قال سبحانه: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين " فنص على أن الأقرب إلى النبي صلى الله عليه وآله أولى به من المؤمنين والمهاجرين، فعزل جل جلاله عن هذه الولاية المؤمنين والمهاجرين وخص بها اولي الأرحام من سيد المرسلين، ثم انظر كيف نزل جبرئيل بعد خروجه إلى مكة بالتعيين على علي عليه السلام (2)؟ فلما راجع النبي صلى الله عليه وآله وأشفق على قومه من حسدهم لعلي عليه السلام كيف عاد الله جل جلاله أنزل: " إنما وليكم الله ورسوله " وكشف عن علي عليه السلام بذلك الوصف ثم انظر كيف مال النبي إلى التوطئة بذكر أهل بيته بمنى، ثم عاد ذكرهم في مسجد الخيف.
ثم ذكر صاحب كتاب " النشر والطي " توجههم إلى المدينة ومراجعة رسول الله صلى الله عليه وآله مرة بعد مرة لله جل جلاله، وما تكرر من الله تعالى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في ولاية علي عليه السلام، قال حذيفة: وأذن النبي صلى الله عليه وآله بالرحيل نحو المدينة فارتحلنا، ثم قال