فلما كان ذلك مشت قريش والأنصار ومن شهد الموسم من الصحابة وصلحاء الناس فيما بينهما وسألتهما أن يصطلحا، فكلاهما سره ذلك الصلح، فأما قثم فإنه لم يثق بأهل مكة ولا رأى أنهم يناصحونه، وأما يزيد فكان رجلا متنسكا وكان يكره أن يكون منه في الحرم شر.
وعن عمرو بن محصن قال: قام يزيد بن شجرة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا أهل الحرم ومن حضره فإني وجهت إليكم لأصلي بكم وأجمع وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فقد رأيت والي هذه البلدة كره الصلاة معنا ونحن للصلاة معه كارهون فإن شاء اعتزلنا الصلاة بالناس واعتزلها وتركنا أهل مكة يختارون لأنفسهم من أحبوا حتى يصلي بهم فإن أبى فأنا آبى وآبى والذي لا إله غيره لو شئت لصليت بالناس وأخذته حتى أرده إلى الشام وما معه من يمنعه ولكن والله ما أحب أن أستحل حرمة هذا البلد الحرام.
قال: ثم إن يزيد بن شجرة أتى أبا سعيد الخدري فقال: رحمك الله الق هذا الرجل فقل له لا أب لغيرك اعتزل الصلاة بالناس وأعتزلها ودع أهل مكة يختاروا لأنفسهم فوالله لو أشاء لبعتك وإياهم ولكن والله ما يحملني على ما تسمع إلا رضوان الله واحترام الحرم فإن ذلك أقرب للتقوى وخير في العاقبة.
قال له أبو سعيد: ما رأيت من أهل المغرب أصوب مقالا ولا أحسن رأيا منك.
فانطلق أبو سعيد إلى قثم فقال: ألا ترى ما أحسن ما صنع الله لك وذكر له ذلك فاعتزلا الصلاة واختار الناس شيبة بن عثمان فصلى بهم.
فلما قضى الناس حجهم رجع يزيد إلى الشام، وأقبلت خيل علي عليه السلام فأخبروا بعود أهل الشام، فتبعوهم وعليهم معقل بن قيس فأدركوهم وقد رحلوا عن وادي القرى، فظفروا بنفر منهم وأخذوهم أسارى وأخذوا ما معهم ورجعوا إلى أمير المؤمنين، ففادى بهم أسارى كانت له عند معاوية. (1)