وكيف لم يذكر أبو بكر هذه الآية حتى يتوقف مما كان فيه ويرتدع من استبقاء الأسارى؟ وما الذي دهم الخائضين في كلامهما، حتى ضربوا صفحا عن ذكر الآية التي أهمهم أمر ما نزلت فيه؟
ثم هلم إلى عمر وذهوله عن الآية، مع أن له فيها غرضا عظيما وحظا جسيما لشدة ولوعه بقتل الأسرى، خصوصا بني هاشم، لا سيما عباسا وعقيلا حتى صرح باسمهما وعين القاتل لهما.
وبعد اللتيا والتي، لو كان استبقاؤهم باجتهاد غفلة عن النص، وذهولا عن أمر الله تعالى، كان المجتهد فيه مثابا ومأجورا، ولم يتوجه العتاب، إلى آخر ما علمت.
وأما أخذ الفداء، فلا يتم الكلام فيه إلا بأن يثبت أن العتاب والتهديد وقع عليه وهو ممنوع، بل إنما وقع على الأسر الذي فعله المحاربون بدون إذن النبي صلى الله عليه وآله، وكان غرضهم من الأسر عرض الدنيا وكسب المال على ما دل عليه القرآن.
وأيضا أخذ الفداء، كان للتقوي على الجهاد. على ما دلت عليه الرواية وهو مما يتعلق بأمر الآخرة والذم والعتاب، إنما توجه بالآية لي من كان يريد عرض الدنيا، فظهر أنه على غير هذا الأخذ وقع، وبما سواه تعلق كما قلنا أن الذم وقع على فعل الأصحاب المحاربين، ولعل غرضهم كان متعلقا بالحطام الدنيوي.
ومما يدل على أن هذا الوعيد والعتاب لم يكن على أخذ الفداء ثانيا، الرواية التي ذكرنا في دخول عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن العذاب أضيف فيها إلى الأصحاب، والبكاء كان عليهم، ولم يذكر رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه في البكاء والعذاب، مع أنه هو الآذن الآمر لهم، ولا خيرة لهم مع أمره فما للعذاب ولهم!؟