بأقدم العرب ميلادا، ولا بأكثرهم عددا، فلما آووا رسول الله صلى الله عليه وآله، ونصروا الله ودينه، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحالفت عليهم اليهود، وغزتهم القبائل قبيلة بعد قبيلة. فتجردوا للدين، وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل، وما بينهم وبين اليهود من العهود، ونصبوا لأهل نجد وتهامة وأهل مكة واليمامة وأهل الحزن وأهل السهل، قناة الدين، وتصبروا تحت أحلاس الجلاد، حتى دانت لرسول الله صلى الله عليه وآله العرب، ورأى فيهم قرة العين قبل أن يقبضه الله إليه. فأنتم في الناس أكثر من أولئك في أهل ذلك الزمان من العرب.
فقام إليه رجل آدم طوال فقال: ما أنت كمحمد، ولا نحن كأولئك الذين ذكرت، فلا تكلفنا ما لا طاقة لنا به.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اخسأ [أحسن " خ "] مستمعا تحسن إجابة، ثكلتكم الثواكل ما تزيدوني إلا غما، هل أخبرتكم أني مثل محمد! أو أنكم مثل أنصاره! وإنما ضربت [لكم] مثلا، وأنا [كنت] أرجو أن تأسوا بهم.
ثم قام رجل آخر وقال: ما أحوج أمير المؤمنين ومن معه إلى أصحاب النهروان. ثم تكلم الناس من كل ناحية ولغطوا.
فقام رجل فقال بأعلى صوته: استبان فقد الأشتر على أهل العراق، أن لو كان حيا لقل اللغط، ولعلم كل امرئ ما يقول.
فقال لهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه: هبلتكم الهوابل، لأنا أوجب عليكم حقا من الأشتر، وهل للأشتر عليكم من الحق إلا حق المسلم على المسلم؟! وغضب فنزل.
فقام حجر بن عدي وسعيد بن قيس فقالا: لا يسوءك الله يا أمير المؤمنين، مرنا بأمرك نتبعه، فوالله العظيم ما يعظم جزعنا على أموالنا أن تفرق، ولا على عشائرنا أن تقتل في طاعتك.