معاوية بن أبي سفيان:
أما بعد فإن الدنيا دار تجارة ربحها أو خسرها الآخرة فالسعيد من كانت بضاعته فيها الأعمال الصالحة ومن رأى الدنيا بعينها وقدرها بقدرها وإني لأعظك مع علمي بسابق العلم فيك مما لا مرد له دون نفاذه ولكن الله تعالى أخذ على العلماء أن يؤدوا الأمانة وأن ينصحوا الغوي والرشيد فاتق الله ولا تكن ممن لا يرجو لله وقارا ومن حقت عليه كلمة العذاب فإن الله بالمرصاد وإن دنياك ستدبر عنك وستعود حسرة عليك فانتبه من الغي والضلال على كبر سنك وفناء عمرك فإن حالك اليوم كحال الثوب المهيل الذي لا يصلح من جانب إلا فسد من آخر وقد أرديت جيلا من الناس كثيرا خدعتهم بغيك وألقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات وتتلاطم بهم الشبهات فجاروا عن وجهتهم ونكصوا على أعقابهم وتولوا على أدبارهم وعولوا على أحسابهم إلا من فاء من أهل البصائر فإنهم فارقوك بعد معرفتك وهربوا إلى الله من موازرتك إذ حملتهم على الصعب وعدلت بهم عن القصد فاتق الله يا معاوية في نفسك وجاذب الشيطان قيادك فإن الدنيا منقطعة عنك والآخرة قريب منك والسلام.
401 - قال ابن أبي الحديد قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني: فكتب إليه معاوية: من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فقد وقفت على كتابك وقد أبيت على الغي إلا تماديا (1) وإني لعالم أن الذي يدعوك إلى ذاك مصرعك الذي لابد لك منه وإن كنت موائلا فازدد غيا إلى غيك فطال ما خف عقلك ومنيت نفسك ما ليس لك والتويت على من هو خير منك ثم كانت العافية لغيرك واحتملت الوزر بما أحاط بك من خطيئتك والسلام.
401 - رواه ابن أبي الحديد - مع التوالي - في شرحه على المختار: (32) من باب كتب نهج البلاغة: ج 16، ص 133، ط الحديث بمصر، وفي ط الحديث ببيروت: ج 4 ص 768.
(1) هذا هو الظاهر من السياق وفي شرح نهج البلاغة ط مصر: على الفتن. وفي ط الكمباني: على الغبن. (*)