وأغشت الابصار ظلمتها.
وقد أتاني كتاب منك ذو أفانين من القول ضعفت قواها عن السلم وأساطير لم يحكها منك علم ولا حلم أصبحت منها كالخائض في الدهاس والخابط في الديماس وترقيت إلى مرقبة بعيدة المرام نازحة الاعلام يقصر دونها الأنوق ويحاذى بها العيوق.
وحاش لله أن تلي للمسلمين بعدي صدرا أو وردا أو أجري لك على أحد منهم عقدا أو عهدا فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها فإنك إن فرطت حتى ينهد إليك عباد الله ارتجت عليك الأمور ومنعت أمرا هو منك اليوم مقبول والسلام.
بيان:
قال ابن أبي الحديد: هذا الكتاب هو جواب كتاب وصل من معاوية إليه بعد قتل علي عليه السلام الخوارج وفيه تلويح بما كان يقوله من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وعدني بقتال طائفة أخرى غير أصحاب الجمل وصفين وأنه سماهم المارقين فلما واقفهم في النهروان وقتلهم في يوم واحد وهم عشرة آلاف فارس أحب أن يذكر معاوية بما كان يقوله من قبل ويعد به أصحابه وخواصه فقال له: قد آن لك أي قرب وحان أن تنتفع بما عاينت وشاهدت معاينة من صدق القول الذي كنت أقوله للناس ويبلغك وتستهزئ به وقال:
يقال: قد رأيته لمحا باصرا أي نظرا بتحديق شديد ومخرجه مخرج رجل لابن وتامر أي ذو لبن وتمر فمعنى باصر أي ذو بصر وعيان الأمور: معاينتها أي قرب أن تنتفع بما تعلمه يقينا من استحقاقي للخلافة وبراءتي من كل شبهة.
وقال ابن ميثم: وصف اللمح بالباصر مبالغة في الابصار كقولهم: ليل أليل. والمدرج: المسلك. وقال ابن أبي الحديد: الأباطيل جمع باطل على غير القياس وإقحامك أي القائك نفسك بلا روية في غرور المين وهو الكذب وبانتحالك أي ادعائك كذبا ما قد علا عنك أي لم تبلغه ولست أهلا له.