الامامية كما هو معلوم من مذهبهم ضرورة، وصرح بنقله المحقق الطوسي رحمه الله عنهم فيما تقدم، ولا ريب أن الشئ يعدم بعدم أصله الذي هو جزؤه كما نحن فيه، فيلزم الحكم بكفر من لم يتحقق له التصديق المذكور وإن أقر بالشهادتين، وأنه مناف أيضا للحكم بإسلام من لم يصدق بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام وهذا الأخير لا خصوصية لوروده على القول بعموم الاسلام، بل هو وارد على القائلين بإسلام من لم يتحقق له التصديق المذكور مع قطع النظر عن كونهم قائلين بعموم الاسلام أو مساواته للايمان.
وأما الجواب، فبالمنع من المنافاة بين الحكمين، وذلك لأنا نحكم بأن من لم يتحقق له التصديق المذكور كافر في نفس الامر، والحكم بإسلامه إنما هو في الظاهر، فموضوع الحكمين مختلف فلا منافاة.
ثم قال: المراد بالحكم بإسلامه ظاهرا صحة ترتب كثير من الأحكام الشرعية على ذلك، والحاصل أن الشارع جعل الاقرار بالشهادتين علامة على صحة إجراء أكثر الأحكام الشرعية على المقر كحل مناكحته والحكم بطهارته وحقن دمه وماله وغير ذلك من الأحكام المذكورة في كتب الفروع، وكأن الحكمة في ذلك هو التخفيف عن المؤمنين لمسيس الحاجة إلى مخالطتهم في أكثر الأزمنة والأمكنة، واستمالة الكافر إلى الاسلام، فإنه إذا اكتفي في إجراء أحكام المسلمين عليه ظاهرا بمجرد إقراره الظاهري ازداد ثباته ورغبته في الاسلام، ثم يترقى في ذلك إلى أن يتحقق له الاسلام باطنا أيضا.
واعلم أن جمعا من علماء الإمامية حكموا بكفر أهل الخلاف، والأكثر على الحكم بإسلامهم، فإن أرادوا بذلك كونهم كافرين في نفس الامر لا في الظاهر فالظاهر أن النزاع لفظي، إذ القائلون بإسلامهم يريدون ما ذكرناه من الحكم بصحة جريان أكثر أحكام المسلمين عليهم في الظاهر، لا أنهم مسلمون في نفس الامر، ولذا نقلوا الاجماع على دخولهم النار، وإن أرادوا بذلك كونهم كافرين ظاهرا وباطنا فهو ممنوع ولا دليل عليه، بل الدليل قائم على إسلامهم