هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وبقيت زينب بمكة مع أبي العاص، فلما سارت قريش إلى بدر سار أبو العاص معهم فأصيب في الاسرى يوم بدر، فاتي به النبي صلى الله عليه وآله فكان عنده مع الأسارى، فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بعلها بمال، وكان فيما بعثت به قلادة كانت خديجة أمها أدخلتها بها على أبي العاص ليلة زفافها عليه، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله رق لها شديدة، وقال للمسلمين:
إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها ما بعثت به من الفداء فافعلوا، فقالوا:
نعم يا رسول الله نفديك بأنفسنا وأموالنا، فردوا عليها ما بعثت به، وأطلقوا لها أبا - العاص بغير فداء.
قال ابن أبي الحديد: قرأت على النقيب (1) أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي هذا الخبر، فقال: أترى أبا بكر وعمر لم يشهدا هذا المشهد؟ أما كان يقتضي التكرم (2) والاحسان أن يطيب قلب فاطمة عليها السلام ويستوهب لها من المسلمين؟ أتقصر منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه عليه وآله من منزلة زينب أختها وهي سيدة نساء العالمين؟ هذا إذا لم يثبت لها حق لا بالنحلة ولا بالإرث، فقلت له: فدك بموجب الخبر الذي رواه أبو بكر قد صار حقا من حقوق المسلمين، فلم يجز له أن يأخذه منهم، فقال: وفداء أبي العاص قد صار حقا من حقوق المسلمين، وقد أخذه رسول الله صلى الله عليه وآله منهم، فقلت: رسول الله صلى الله عليه وآله صاحب الشريعة والحكم حكمه، وليس أبو بكر كذلك، فقال: ما قلت: هلا أخذه أبو بكر من المسلمين قهرا فدفعه إلى فاطمة عليها السلام، وإنما قلت: هلا استنزل المسلمين عنه واستوهب (3) منهم لها كما