أنفسهم قللهم الله في أعينهم حتى رأوهم ستمائة وستة وعشرين رجلا تقوية لقلوبهم وذلك أن المسلمين قد قيل لهم " فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين " فأراهم الله عددهم حسب ما حد لهم من العدد الذي يلزمهم أن يقدموا عليهم ولا يحجموا عنهم وقد كانوا ثلاثة أمثالهم، ثم ظهر العدد القليل على العدد الكثير عن ابن مسعود و جماعة من العلماء، وقيل: الرؤية للمشركين، يعني يرى المشركون المسلمين ضعفي ما هم عليه، فإن الله تعالى قبل القتال قلل المسلمين في أعينهم ليجترؤوا عليهم و لا يتفرقوا (1)، فلما أخذوا في القتال كثرهم في أعينهم ليجبنوا، وقلل المشركين في أعين المسلمين ليجترؤوا عليهم، وتصديق ذلك قوله تعالى: " وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم " الآية، وذلك أحسن أسباب النصر للمؤمنين، والخذلان للكفارين، وهذا قول السدي، وهذا القول إنما يتأتى على قراءة من قرأ بالياء، فأما قول من قرأ بالتاء فلا يحتمله إلا القول الأول على أن يكون الخطاب لليهود الذين لم يحضروا وهم المعنيون بقوله: " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون " وهم يهود بني قينقاع، فكأنه قال: ترون أيها اليهود المشركين مثلي المسلمين، مع أن الله أظفرهم عليهم فلا تغتروا بكثرتكم، واختار البلخي هذا الوجه، ويكون الخطاب (2) للمسلمين الذين حضروا الوقعة، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي المسلمين، قال الفراء: يحتمل قوله: " يرونهم مثليهم " يعني ثلاثة أمثالهم (3)، والمعنى ترونهم مثليهم مضافا إليهم، فذلك ثلاثة أمثالهم، قال:
والمعجز فيه إنما كان من جهة غلبة القليل الكثير. (4)