بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ١٢٧
بعيدا، ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد، والذي صدق قوله ونجز (1) وعده لا خلف لذلك فإنه يقول: " ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد (2) " فاتقوا الله في عاجل أمره (3) وآجله، في السر والعلانية، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه (4)، وإن تقوى الله تبيض الوجوه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم، ولا تفرطوا في جنب الله، فقد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، و عادوا أعداءه، وجاهدوا في الله (5) حق جهاده، وهو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ولا جول (6) ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، (7) واعملوا لما بعد الموت فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما يبنه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، و يملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (8) ".
فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة (9) انتهى.

(١) نجز ونجز الحاجة: قضاها. نجز بالوعد: عجله. وفى تاريخ الطبري: انجز.
(٢) ق: ٢٩.
(3) في المصدر وفى تاريخ الطبري: أمركم.
(4) في تاريخ الطبري: تقوى في المواضع. وكذا الافعال الآتية بعد كلها بالتذكير.
(5) في المصدر: في سبيل الله.
(6) خلا التاريخ عن قوله: ولا حول.
(7) في نسخة بعد ذلك: واعلموا انه خير من الدنيا وما فيها.
(8) في المصدر. الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومثله تاريخ الطبري الا انه خلا عن كلمة: العلى.
(9) مجمع البيان 10: 286 و 287. أقول: ذكر ابن هشام والمقريزي أول خطبته صلى الله عليه وسلم في السيرة وإمتاع الأسماع والمذكور فيهما يخالف ذلك، وهي هكذا قالا: وكانت أول خطبة خطبها [رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمه بن عبد الرحمن: نعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يقل - السيرة] أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم، تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع، ثم ليقولن له ربه - وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه - ألم يأتك رسولي فبلغك؟ وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا. ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق [بشقة - الامتاع] من تمرة فليفعل، ومن لم يجده [يجد - الامتاع] فبكلمة طيبة، فان بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة شعف. والسلام عليكم [وعلى رسول الله] ورحمة الله و بركاته. في الامتاع: والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته.
قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال:
ان الحمد لله، أحمده واستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ان أحسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وادخله في الاسلام بعد الكفر واختاره على ما سواء من أحاديث الناس، انه أحسن الحديث وأبلغه، أحبوا ما أحب الله، أحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملوا كلام الله وذكره، ولا تقس عنه قلوبكم، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي، قد سماه الله خيرته من الاعمال، ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث ومن كل ما اوتى الناس من الحلال والحرام، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، واتقوه حق تقاته، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، ان الله يغضب أن ينكث عهده والسلام عليكم.
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست