أقول: كون الامر في الاهلاك والتعذيب وقبول التوبة إلى الله تعالى لا ينافي عصمته صلى الله عليه وآله بوجه، وأما الخبر ان فغير ثابتين، ومع ثبوتهما أيضا لا ينافي العصمة، لان الدعاء عليهم لم يكن منهيا عنه قبل ذلك، وإنما أمره تعالى بالكف لنوع من المصلحة، وبعد النهي لم يدع عليهم، وقد أثبتنا في باب وجوب طاعته صلى الله عليه وآله الأخبار الواردة في تأويل تلك الآية.
قوله تعالى: " بما أراك الله " قال الرازي في تفسيره: أي بما أعلمك الله، وسمي ذلك العلم بالرؤية لان العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جاريا مجرى الرؤية في القوة والظهور، قال المحققون: هذه الآية تدل على أنه صلى الله عليه وآله ما كان يحكم إلا بالوحي والنص، واتفق المفسرون على أن أكثر الآيات في طعمة (1) سرق درعا، فلما طلبت الدرع منه رمى واحدا من اليهود بتلك السرقة، ولما اشتدت الخصومة بين قومه وبين قوم اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وطلبوا منه أن يعينهم على هذا المقصود، وأن يلحق هذه الخيانة باليهودي، فهم الرسول صلى الله عليه وآله بذلك فنزلت الآية.
" ولا تكن للخائنين خصيما " أي لا تكن لأجل الخائنين مخاصما لمن كان بريئا عن الذنب، يعنى لا تخاصم اليهود لأجل المنافقين، قال الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام: دلت هذه الآية على صدور الذنب من الرسول صلى الله عليه وآله، فإنه لولا أن الرسول صلى الله عليه وآله أراد أن يخاصم لأجل الخائن ويذب عنه لما ورد النهي عنه، والجواب أنه صلى الله عليه وآله كان لم يفعل ذلك وإلا لم يرد النهي عنه (1)، بل ثبت في الرواية أن قوم طعمة لما التمسوا من الرسول صلى الله عليه وآله أن يذب عن طعمة وأن يلحق السرقة باليهودي توقف وانتظر الوحي فنزلت هذه الآية، وكان الغرض من هذا النهي تنبيه النبي صلى الله عليه وآله على أن طعمة كذاب، وأن اليهودي برئ عن ذلك الجرم.
فإن قيل: الدليل على أن ذلك الجرم قد وقع من النبي صلى الله عليه وآله قوله بعد هذه الآية