يوقظ أباه، (1) فلما استيقظ أبوه أخبره بذلك فدعا له وجزاه خيرا، وقال: هذه البقرة لك بما صنعت، فقال رسول الله: انظروا ماذا صنع به البر.
وقال ابن عباس ووهب وغيرهما من أهل الكتب: كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل، وكان له عجل، فأتى بالعجل إلى غيضة (2) وقال: اللهم إني استودعتك هذه العجلة لابني حتى يكبر، ومات الرجل فشبت العجلة في الغيضة وصارت عوانا، وكانت تهرب من كل من رامها، فلما كبر الصبي كان بارا بوالدته، وكان يقسم الليلة ثلاثة أثلاث: يصلي ثلثا، وينام ثلثا، ويجلس عند رأس أمه ثلثا، فإذا أصبح انطلق واحتطب على ظهر، ويأتي به السوق فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه، ويأكل ثلثه، ويعطي والدته ثلثا، فقالت له أمه يوما: إن أباك ورثك عجلة وذهب بها إلى غيضة كذا واستودعها، فانطلق إليها وادع إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق أن يردها عليك، وإن من علامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفوتها وصفاء لونها، فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها وقال: أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، (3) فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه، فقبض على عنقها وقادها، فتكلمت البقرة بإذن الله وقالت: أيها الفتى البار بوالدته اركبني فإن ذلك أهون عليك، فقال الفتى: إن أمي لم تأمرني بذلك ولكن قالت: خذ بعنقها، قالت البقرة: بإله بني إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر علي أبدا فانطلق فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل لبرك بوالدتك، فصار الفتى بها فاستقبله عدو الله إبليس في صورة راع فقال: أيها الفتى إني رجل من رعاة البقر، اشتقت إلى أهلي فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه زادي ومتاعي حتى إذا بلغت شطر الطريق ذهبت لأقضي حاجتي فعدا وسط الجبل وما قدرت عليه، وإني أخشى على نفسي الهلكة، فإن رأيت أن تحملني على بقرتك وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها