تعالى إلا بلوازمه وآثاره، وأظهر آثار واجب الوجود هو هذا العالم المحسوس، وهو السماوات والأرض وما بينهما، فلذا قال موسى عليه السلام: " رب السماوات والأرض وما بينهما ".
وأما قوله: " إن كنتم موقنين " فمعناه: إن كنتم موقنين باستناد هذه المحسوسات إلى موجود واجب الوجود فاعرفوا أنه لا يمكن تعريفه إلا بما ذكرته، لأنكم لما سلمتم انتهاء هذه المحسوسات إلى واجب لذاته وثبت أنه فرد مطلق وثبت أن الفرد المطلق لا يمكن تعريفه إلا بآثاره وثبت أن تلك الآثار لابد وأن تكون أظهر آثاره وما ذاك إلا السماوات والأرض وما بينهما فإن أيقنتم لزمكم أن تقطعوا بأنه لا جواب عن ذلك السؤال إلا هذا فقال فرعون على سبيل التعجب من جواب موسى: " ألا تستمعون " أنا أطلب منه الماهية وهو يجيبني بالفاعلية والمؤثرية؟ فأجاب موسى عليه السلام بأن قال: " ربكم ورب آبائكم الأولين " وكأنه عليه السلام عدل عن التعريف السابق لأنه لا يمتنع أن يعتقد أحد أن السماوات والأرضين واجبة لذواتها، ولا يمكن أن يعتقد العاقل في نفسه وآبائه و أجداده كونهم واجبة لذواتهم، لان المشاهدة دلت على أنهم وجدوا بعد العدم، وما كان كذلك استحال أن يكون واجبا لذاته. فقال فرعون: " إن رسولكم الذي ارسل إليكم لمجنون " يعني المقصود من سؤال ما طلب خصوصية الحقيقة، والتعريف بهذه الآثار الخارجة لا تفيد البتة تلك الخصوصية، فهذا الذي يدعي الرسالة مجنون، فقال موسى: " رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون " فعدل إلى طريق ثالث أوضح لأنه أراد بالمشرق طلوع الشمس وظهور النهار، وبالمغرب غروب الشمس وزوال النهار، والامر ظاهر في أن هذا التدبير المستمر لا يتم إلا بتدبير مدبر، فإن كنت من العقلاء عرفت أنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرته. انتهى ملخص كلامه. (1) أقول: لعل الأظهر أنه لم يكن سؤاله عن طلب الماهية والحقيقة، بل على وجه الاستبعاد من وجود إله غيره، فاستدل عليه السلام على وجوده تعالى بالسماوات والأرض وما بينهما، ثم أظهر الاستبعاد عن كون السماوات والأرض محتاجة إلى الصانع، بل هي واجبة متحركة بذواتها كما هو مذهب الدهرية، أو أنه كان يخيل أنه رب السماوات و