بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٣٦
به، ولعله تعالى سبب ذلك تأييدا للعصمة وإلقاء للحجة التي يحتج بها يوسف عليه السلام عليها كما أوما إليه الرازي أيضا.
الفصل الثالث: في معنى سجودهم له عليه السلام.
أقول: قد ذكرنا بعض ما يناسب هذا المقام في باب سجود الملائكة لآدم عليه السلام وقد أوردنا في هذا الباب الذي نحن فيه الأخبار الواردة في توجيه ذلك، ولذكر هنا ما ذكره الرازي في هذا المقام لكمال الايضاح، قال: وأما قوله: " وخروا له سجدا " ففيه إشكال، وذلك لان يعقوب كان أبا يوسف وحق الأبوة حق عظيم، قال تعالى: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " (1) فقرن حق الوالدين بحق نفسه، وأيضا أنه كان شيخا والشاب يجب عليه تعظيم الشيخ. والثالث: أنه كان من أكابر الأنبياء، ويوسف وإن كان نبيا إلا أن يعقوب كان أعلى حالا منه. والرابع: أن جده واجتهاده في تكثير الطاعات أكثر من جد يوسف، ولما اجتمعت هذه الجهات الكثيرة فهذا يوجب أن يبالغ يوسف في خدمة يعقوب، فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب؟ هذا تقرير السؤال. والجواب عنه من وجوه:
الأول وهو قول ابن عباس في رواية عطا: أن المراد بهذه الآية أنهم خروا له، أي لأجل وجدانه سجدا لله، وحاصله أنه كان ذلك سجود الشكر، فالمسجود له هو الله إلا أن ذلك السجود إنما كان لأجله، والدليل على صحة هذا التأويل أن قوله: " ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا " مشعر بأنهم صعدوا ذلك السرير ثم سجدوا، ولو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصعود على السرير، لان ذلك أدخل في التواضع.
فإن قالوا: هذا التأويل لا يطابق قوله: " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل " والمراد منه قوله: إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " قلنا: بل هذا مطابق له، ويكون المراد من قوله: " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " أي رأيتهم ساجدين لأجلي، أي أنها سجدت لله لطلب مصلحتي والسعي في إعلاء منصبي، وإذا كان هذا

(1) الاسراء: 23.
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست