بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٣٠
المخلصين " فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين ويوسف من المخلصين لقوله تعالى: " إنه من عبادنا المخلصين " وكان هذا إقرارا من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن طريق الهدى، وعند هذا نقول: هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام هذه الفضيحة إن كانوا من أتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله على طهارته، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته، ولعلهم يقولون: كنا في أول الأمر تلامذة إبليس إلا أنا تخرجنا وزدنا عليه في السفاهة كما قال الحروري:
وكنت فتى من جند إبليس فارتقى * بي الامر صار إبليس من جندي فلو مات قبلي كنت أحسن بعده * طرائق فسق ليس يحسنها بعدي فثبت بهذه الدلائل أن يوسف عليه السلام برئ عما يقوله هؤلاء الجهال.
وإذا عرفت هذا فنقول: الكلام على ظاهر هذه الآية يقع في مقامين: المقام الأول أن نقول: لا نسلم أن يوسف عليه السلام هم بها، والدليل عليه أنه تعالى قال: " وهم بها لولا أن رأى برهان ربه " وجواب لولا ههنا مقدم وهو كما يقال: قد كنت من الهالكين لولا أخلصك، (1) وطعن الزجاج في هذا الجواب من وجهين:
الأول: أن تقدم جواب لولا شاذ وغير موجود في الكلام الفصيح. الثاني: أن لولا يجاب باللام فلو كان الامر على ما ذكرتم لقال: ولقد همت به ولهم بها، وذكر غير الزجاج سؤالا ثالثا وهو أنه لو لم يوجد الهم لما بقي لقوله: " لولا أن رأى برهان ربه " فائدة.
واعلم أن ما ذكره الزجاج بعيد لأنا نسلم أن تأخير جواب لولا حسن جائز إلا أن جوازه لا يمنع من جواز تقديم هذا الجواب، وكيف ونقل عن سيبويه أنه قال:
إنهم يقدمون الأهم، والذي هم بشأنه أعنى، فكان الامر في جواز التقديم والتأخير مربوطا بشدة الاهتمام، فأما تعيين بعض الألفاظ بالمنع فذلك ما لا يليق بالحكمة، وأيضا ذكر جواب لولا باللام جائز، أما هذا لا يدل على أن ذكره بغير اللام لا يجوز، لأنا نذكر آية أخرى تدل على فساد قول الزجاج في هذين السؤالين وهو قوله تعالى: " إن كادت لتبدي

(1) في المصدر: لولا أن فلانا خلصك. م
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»
الفهرست