كما نهى الله سبحانه نبيه عن الشرك وإن لم يجز وقوع ذلك منه، وإنما سأل نوح عليه السلام نجاة ابنه بشرط المصلحة لا على سبيل القطع، فلما بين سبحانه له أن المصلحة في غير نجاته لم يكن ذلك خارجا عما تضمنه السؤال، وقوله: " إني أعظك " أي أحذرك، والوعظ: الدعاء إلى الحسن والزجر عن القبيح على وجه الترغيب والترهيب " أن تكون من الجاهلين معناه: لا تكن منهم، وقال الجبائي: يعني أعظك لئلا تكون من الجاهلين، ولا شك أن وعظه سبحانه يصرف عن الجهل وينزه عن القبيح " قال رب إني أعوذ بك " معنى العياذ بالله الاعتصام طلبا " للنجاة ومعناه ههنا الخضوع والتذلل لله سبحانه ليوفقه ولا يكله إلى نفسه " وإن لا تغفر لي " إنما قال على سبيل التخشع والاستكانة لله تعالى وإن لم يسبق منه ذنب " قيل " أي قال الله: " يا نوح اهبط " أي انزل من الجبل أو من السفينة " بسلام منا " أي بسلامة منا ونجاة، وقيل: بتحية وتسليم منا عليك " وبركات عليك " أي ونعم دائمة وخيرات نامية ثابتة حالا " بعد حال عليك " وعلى أمم ممن معك " أي المؤمنين الذين كانوا معه في السفينة، وقيل: معناه: وعلى أمم من ذرية من معك، وقيل: يعني بالأمم سائر الحيوان الذين كانوا معه لأن الله تعالى جعل فيها البركة " وأمم سنمتعهم " أي يكون من نسلهم أمم سنمتعهم في الدنيا بضروب من النعم فيكفرون فنهلكهم " ثم يمسهم بعد ذلك " الهلاك " عذاب " مؤلم. (1) " إذ نادى من قبل " أي من قبل إبراهيم ولوط " من الكرب العظيم " أي من الغم الذي يصل حره إلى القلب، وهو ما كان يلقاه من الأذى طول تلك المدة " ونصرناه من القوم " أي منعناه منهم بالنصرة، وقيل: " من " بمعنى " على ". (2) " ولقد أرسلنا نوحا " " قيل: إنه سمي نوحا لكثرة نوحه على نفسه، عن ابن عباس، وقيل في سبب نوحه: إنه كان يدعو على قومه بالهلاك، وقيل: هو مراجعته ربه في شأن ابنه " أن يتفضل عليكم " بأن يصير متبوعا " وأنتم له تبع " ولو شاء الله " أن لا يعبد سواه لأنزل ملائكة ولم ينزل بشرا " آدميا " ما سمعنا بهذا " الذي يدعونا إليه نوح من التوحيد " فتربصوا به " أي
(٣٠٦)