وقال الطبرسي قدس سره: ذكر في تأويله وجوه:
أحدها: إن أراد الله أن يخيبكم من رحمته بأن يحرمكم من ثوابه ويعاقبكم لكفركم به فلا ينفعكم نصحي، وقد سمى الله العقاب غيا " بقوله: " فسوف يلقون غيا " " (1) ولما خيب الله قوم نوح من رحمته وأعلم نوحا بذلك في قوله: " لن يؤمن من قومك " قال لهم: " لا ينفعكم نصحي " مع إيثاركم ما يوجب خيبتكم والعذاب الذي جره إليكم قبيح أفعالكم.
وثانيها: أن المعنى: إن كان الله يرد عقوبة إغوائكم الخلق، ومن عادة العرب أن يسمي العقوبة باسم الشئ المعاقب عليه كما في قوله سبحانه: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (2) وأمثاله.
وثالثها: أن معناه: إن كان الله يريد يهلككم فلا ينفعكم نصحي عند نزول العذاب بكم وإن قبلتم قولي وآمنتم لأن الله حكم بأن لا يقبل الإيمان عند نزول العذاب، وقد حكي عن العرب أنهم قالوا: أغويت فلانا " بمعنى أهلكته.
ورابعها: أن قوم نوح كانوا يعتقدون أن الله يضل عباده، فقال لهم نوح على وجه.
التعجب والإنكار: " أم يقولون افتراه " قيل: يعني بذلك محمدا " صلى الله عليه وآله يقول الكفار:
افترى محمد (صلى الله عليه وآله) ما أخبر به من نبأ نوح " فعلي إجرامي " أي عقوبة جرمي " وأنا برئ مما تجرمون " أي لا أؤاخذ بجرمكم. وقيل: يعني به نوحا " عليه السلام. (3) " فلا تبتئس " أي لا تغتم ولا تحزن " بأعيننا " أي بمرأى منا، والتأويل: بحفظنا إياك حفظ الرائي لغيره إذا كان يدفع الضرر عنه، وقيل: بأعين الملائكة الموكلين، وإنما أضاف إلى نفسه إكراما " لهم " ووحينا " أي وعلى ما أوحينا إليك من صفتها وحالها " ولا تخاطبني " أي لا تسألني العفو عن هؤلاء ولا تشفع لهم فإنهم مغرقون عن قريب، وقيل: إنه عنى به امرأته وابنه " ويصنع الفلك " أي وجعل نوح يصنع الفلك كما أمره الله، وقيل: أخذ نوح في صنعة السفينة بيده فجعل ينحتها ويسويها وأعرض عن قومه " كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " أي كلما اجتاز به جماعة من أشراف قومه يهزءوا من فعله، قيل: