ورحمتي إياهم أن تسألني أن أمطر السماء عليهم فلم تسألني وبخلت عليهم بمسألتك إياي فأذقتك الجوع (1) فقل عند ذلك صبرك وظهر جزعك، فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى حيلك، فهبط إدريس من موضعه إلى غيره يطلب اكلة من جوع، فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة وهي ترقق قرصتين لها على مقلاة (2) فقال لها: أيتها المرأة أطعميني فإني مجهود من الجوع، فقالت له: يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلا " نطعمه أحدا " - وحلفت أنها ما تملك شيئا " غيره - فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، قال لها: أطعميني ما امسك به روحي وتحملني به رجلي إلى أن أطلب، قالت: إنهما قرصتان: واحدة لي والأخرى لابني فإن أطعمتك قوتي مت، وإن أطعمتك قوت ابني مات، وما هنا فضل أطعمكاه، فقال لها: إن ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيى بها ويجزيني النصف الآخر فأحيى به وفي ذلك بلغة لي وله، فأكلت المرأة قرصها وكسرت القرص الآخر بين إدريس وبين ابنها، فلما رأى ابنها إدريس يأكل من قرصه اضطرب حتى مات، قالت أمه: يا عبد الله قتلت علي ابني جزعا " على قوته؟! قال إدريس: فأنا أحييه بإذن الله تعالى فلا تجزعي، ثم أخذ إدريس بعضدي الصبي ثم قال: أيتها الروح الخارجة من بدن هذا الغلام بإذن الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله وأنا إدريس النبي، فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله فلما سمعت المرأة كلام إدريس وقوله: أنا إدريس ونظرت إلى ابنها قد عاش بعد الموت قالت: أشهد أنك إدريس النبي، وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية: أبشروا بالفرج فقد دخل إدريس قريتكم، ومضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الأول و هي على تل فاجتمع إليه أناس من أهل قريته فقالوا له: يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التي جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها؟ فادع الله لنا أن يمطر السماء علينا، قال:
لا حتى يأتيني جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك، فبلغ الجبار قوله فبعث إليه أربعين رجلا " يأتوه بإدريس، فأتوه فقالوا له: إن الجبار بعث إليك