الجبار وقتله وأخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضبا " للمؤمن، وظهر في المدينة جبار آخر عاص فمكثوا بذلك بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء قطرة من مائها عليهم، فجهد القوم واشتدت حالهم وصاروا يمتارون الأطعمة (1) من القرى من بعد، فلما جهدوا مشى بعضهم إلى بعض فقالوا: إن الذي نزل بنا مما ترون بسؤال إدريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتى يسأله هو، وقد خفي إدريس عنا ولا علم لنا بموضعه والله أرحم بنا منه، فأجمع أمرهم على أن يتوبوا إلى الله ويدعوه ويفزعوا إليه و يسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ما حوت قريتهم، فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح، وحثوا على رؤوسهم التراب (2) ورجعوا إلى الله عز وجل بالتوبة والاستغفار والبكاء و التضرع إليه، وأوحى الله عز وجل إليه: يا إدريس أهل قريتك (3) قد عجوا إلي بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع، وأنا الله الرحمن الرحيم أقبل التوبة وأعفو من السيئة وقد رحمتهم، ولم يمنعني إجابتهم إلى ما سألوني من المطر إلا مناظرتك فيما سألتني أن لا أمطر السماء عليهم حتى تسألني، فاسألني يا إدريس حتى أغيثهم وأمطر السماء عليهم.
قال إدريس: اللهم إني لا أسألك ذلك، قال الله عز وجل: ألم تسألني يا إدريس فسلني، (4) قال إدريس: اللهم إني لا أسألك، فأوحى الله عز وجل إلى الملك الذي أمره أن يأتي إدريس بطعامه كل مساء أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به، فلما امسى إدريس في ليلة ذلك اليوم فلم يؤت بطعامه حزن وجاع فصبر، فلما كان في اليوم الثاني فلم يؤت بطمامه اشتد حزنه وجوعه، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه وقل صبره فنادى ربه: يا رب حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي؟!
فأوحى الله عز وجل إليه: يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيام ولياليها، ولم تجزع ولم تنكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة؟! ثم سألتك عن جهدهم