" فرادى " أي وحدانا لا مال لهم ولا خول (1) ولا ولد ولا حشم، وقيل: واحدا واحدا على حدة، وقيل: كل واحد منهم منفرد من شريكه في الغي " كما خلقناكم أول مرة " أي في بطون أمهاتكم فلا ناصر لكم ولا معين، وقيل: معناه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يحشرون حفاة عراتا غرلا (2) والغرل: هم الغلف. وروي أن عائشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله حين سمعت ذلك: وا سوأتاه! أينظر بعضهم إلى سوأة بعض من الرجال والنساء؟ فقال عليه السلام: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ويشغل بعضهم عن بعض. و قال الزجاج: معناه: كما بدأناكم أول مرة أي يكون بعثكم كخلقكم " وتركتم ما خولناكم " أي ملكناكم في الدنيا " وراء ظهوركم " أي خلف ظهوركم في الدنيا " وما نرى معكم شفعائكم " أي ليس معكم من كنتم تزعمون أنهم يشفعون لكم عند الله يوم القيامة وهي الأصنام " الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء " معناه: زعمتهم أنهم شركاؤنا فيكم وشفعاؤكم، وهذا عام في كل من عبد غير الله تعالى أو اعتمد غيره يرجو خيره و يخاف ضيره في مخالفة الله تعالى " لقد تقطع بينكم " أي وصلكم وجمعكم، ومن قرأ بالنصب فمعناه: لقد تقطع الامر بينكم أو تقطع وصلكم بينكم (3) " وضل عنكم ما كنتم تزعمون " أي ضاع وتلاشى، ولا تدرون أين ذهب من جعلتم شفعاءكم من آلهتكم ولم تنفعكم عبادتها، وقيل: ما تزعمون من عدم البعث والجزاء.
وفي قوله تعالى: " إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار ": أي إنما يؤخر مجازاتهم إلى يوم القيامة وهو اليوم الذي يكون فيه الابصار شاخصة عن مواضعها، لا تغمض لهول ما ترى في ذلك اليوم ولا تطرف، وقيل تشخص أبصارهم إلى إجابة الداعي حين يدعوهم " مهطعين " أي مسرعين، وقيل: يريد دائمي النظر إلى ما يرون لا يطرفون " مقنعي رؤسهم " أي رافعي رؤوسهم إلى السماء حتى لا يرى الرجل مكان قدمه