6 - الإحتجاج: عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال سأل رجل - يقال له: يا عبد الغفار السلمي - أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى: " ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى " فقال: أرى ههنا خروجا من حجب وتدليا إلى الأرض، وأرى محمدا صلى الله عليه وآله رأى ربه بقلبه ونسب إلى بصره وكيف هذا؟ فقال أبو إبراهيم عليه السلام: دنى فتدلى، فإنه لم يدل عن موضع، ولم يتدل ببدن. فقال عبد الغفار: أصفه بما وصف به نفسه حيث قال: دنى فتدلى فلم يتدل عن مجلسه إلا قد زال عنه، ولولا ذلك لم يصف بذلك نفسه. فقال أبو إبراهيم عليه السلام: إن هذه لغة في قريش إذا أراد الرجل منهم أن يقول: " قد سمعت " يقول: قد تدليت، وإنما التدلي: الفهم.
بيان: التدلي: القرب، والنزول من علو، والامتداد إلى جهة السفل، ويكون من التدلل بمعنى الغنج، وما ذكره عليه السلام أن المراد به الفهم فهو على المجاز لان من يريد فهم شئ يتدلى إلى القائل ليسمعه ويفهمه. ثم اعلم أنه قد اختلف في تفسير هذه الآية على وجوه:
الأول: أن تكون الضمائر راجعة إلى جبرئيل عليه السلام، فالمعنى: وهو أي جبرئيل بالأفق الاعلى " أفق السماء " ثم دنى من النبي صلى الله عليه وآله فتدلى أي تعلق به، وهو تمثيل لعروجه بالرسول صلى الله عليه وآله، أو تدلى من الأفق الاعلى فدنى الرسول، فيكون إشعارا بأنه عرج به غير منفصل عن محله وتقريرا لشدة قوته، وقيل: المعنى: قرب فاشتد قربه، فكان البعد بينهما قاب قوسين أي قدرهما أو أدنى، والمقصود تمثيل ملكة الاتصال و تحقيق استماعه لما أوحي إليه بنفي البعد الملبس.
الثاني: أن تكون الضمائر راجعة إلى محمد صلى الله عليه وآله أي ثم دنى محمد من الخلق والأمة، وصار كواحد منهم فتدلى إليهم بالقول اللين والدعاء الرفيق فالحاصل أنه صلى الله عليه وآله استوى وكمل فدنى من الخلق بعد علوه وتدلى إليهم وبلغ الرسالة.
الثالث: أن تكون الضمائر راجعة إلى الله تعالى، فيكون دنوه كناية عن رفع مكانته، وتدليه عن جذبه بشراشره إلى جناب القدس، والحاصل أنه مؤول بالدنو المعنوي، والتقرب والمعرفة واللطف، على ما يؤول حديث " من تقرب إلي شبرا تقربت