وجوده ونعمه، حتى يدفع عنك البرد وشدته، والقر (1) ورعدته، من غير جبة أو لباد، أو حطب أو زناد، أو تظنين (2) أن زمهرير جهنم وشدة عقوبته، أخف من زمهرير الشتاء ومدة صعوبته، هيهات هيهات، كما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبة والنار وسائر الآلات، فكذا لا يندفع حر النار وبردها إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات، وكيف تستعدين للشتاء قبل حلوله، والصيف قبل دخوله، وتنسي زاد القبر قبل نزوله؟!
يا نفس:
أما تعلمين أن الموت ميعادك (3)، والتراب في القبر وسادك، والدود يأكل لحم خديك، وإنسان عينك، والفزع الأكبر بين يديك، أما تعلمين أن الأموات يتمنون الرجعة إلى هذه الدار، ليشتغلوا بتدارك تكفير الأوزار، ولو قدروا على يوم من عمرك، أو ساعة من دهرك، لاشتروا ذلك بأعلى (4) الأثمان، والياقوت (5) البهرمان (6)، وأنت الآن في أمنيتهم لا في منيتهم، وفي مقامتهم لا في قيامتهم.