وروى السمعاني، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أن أعرابيا جاء بعد ثلاثة أيام من دفن رسول الله صلى الله عليه وآله فرمى بنفسه على القبر الشريف، وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك، ووعيت عن الله فوعينا عنك، وكان فيما أنزله عليك (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك..) وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي إلى ربي.
فنودي من القبر أنه قد غفر لك. (1) وصفوة القول أن التوسل والخضوع والتواضع أمام العتبات المقدسة التي يضم ثراها نبيا أو معصوما أو وليا من الصالحين هو في حقيقته توسل وخضوع وتواضع للخالق تبارك وتعالى، وليسوا هم إلا وسيلة كالصلاة والصوم وبقية العبادات والطاعات التي يتوسل بها إليه تعالى امتثالا لقوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون) (2).
وأن زائرهم حقا لا يأتي إلا بقلب سليم، ولا يسير إلا في قرى قدر الله السير فيها ليالي وأياما آمنين، إلى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
فلا يدعو الزائر إلا الله، ولا يذكر إلا عباد الرحمان، فأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، ويردون إلى مشاهدهم، ليروا ويسمعوا ويستغفروا لزوارهم.
فيقول الزائر: السلام عليك يا نبي الرحمة أتيناك زائرين لنكون عندك ومع الصادقين، ولا يعذبنا الله وأنت فينا، وكان فضل الله عليك عظيما إذ قال: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) وقال: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك واستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما).
جئناك مستغفرين، وقد سبقنا إخوة يوسف إذ جاءوا أباهم، قالوا:
(يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا) فقال: (سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم) فيا وجيها عند الله، اشفع لنا عند الله، بحق من باهلت بهم أعداء الله.