إدراك هذه الحقائق لا يلزم الذهاب إلى تأويل عزوف لجوء الانسان إلى القوة الأعظم في الكون لدفع مخاوفه وصرف الاخطار عنه، بل إن العلم الحديث جاء ليؤكد وبشكل قاطع - أكثر مما سبق - أن هنالك قوة قادرة مدبرة مبدعة تتحكم بكل مقدرات الكون، وأن كل ما يمكن أن يقال بأن الانسان لا يملك أمامها إلا الاقرار بعجزه وضعفه رغم ما بلغه من درجات عالية من الرقي والتحضر.
كما أن العلم الحديث قد أكد عجز كل النظريات الحديثة عن فهم ماهية الانسان وحالاته المتشابكة، وحيث أخطأ مريدوها عندما دفعوا الانسان جهلا وعمدا إلى التوكل على القوى المادية دون القوة الإلهية العظيمة، فضاع الانسان بين عقده النفسية والروحية التي لا تعد ولا تحصى، وبين التفسيرات الخاطئة التي لا تزيده الا خبالا وتعقيدا، واليك العالم المادي، وهو مركز التطور العلمي والتقني، وما يشهده من انحرافات خطيرة، وعقد شائكة، وفراغ روحي، وخوف؟ مبطن من المجهول، وأسئلة كثيرة ومتكررة تبحث لها عن جواب دون جدوى، ودون فائدة، فلا يجد المرء وليجة ينفذ من خلالها لحل مشكلته الراهنة الا اللجوء إلى المخدرات والاسفاف والاغراق في مظاهر الانحراف والتفسخ، فلا تزيده الا تعثرا وتخبطا، فلا يعد في تصوره من منجى الا الموت، ولا وسيلة إليه الا الانتحار..، وأي مراجعة إلى التقارير الرسمية والموثقة تبين بصدق هذه الحقيقة الرهيبة.
إن الله تعالى خالق الانسان وبارئه هو خير من يعلم بما يسعد هذا الانسان وما يوصله إلى بر الأمان الذي فطر هذا المخلوق على طلبه والبحث عنه، وهذا الحقيقة تتبين بوضوح من خلال المطالعة الواعية لأسس النظام الاسلامي العظيم الذي جاء به رسول الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، قبل أكثر من خمسة عشر قرنا من الزمان، وما أخذ أهل بيته الأئمة المعصومين عليهم السلام على عاتقهم من تركيز هذه الأسس والدفاع عنها.