ولذا تجد أن الشريعة المقدسة تلزم هذا المخلوق على الاتصال الدائب بخالقه من خلال الدعاء، لما يشكله من تربية روحية ونفسية فطر الانسان عليها كما أراد ذلك خالقه جل اسمه، وحيث يجد - وتلك لذة حرم منها من لا يؤمن بها - الكثير من الأمان والاستقرار النفسي لتوافق ذلك المنحى مع ما فطر عليه. ولادراكه الواعي والمبطن بقدرة خالقه على علم كل شئ وعلى فعل كل شئ، وذلك ما تعجز عنه قطعا كل القوى الأخرى المخلوقة والناقصة، فما تأتي به الساعات المقبلة، والأيام القادمة، وما سيحل وما سيقع، كل تلك أمور غيبية لا يمكن لاحد الجزم بها الا تخرصا محضا، وذلك ما هو في علم الله تعالى دون غيره، فلا غرو ان يلجأ المؤمن إليه لادراكه ذلك، ولادراكه بقدرته تعالى على فعل كل شئ، ومنها صرف هذه المحاذير.
وإذا كان الطرف الآخر من الدعاء يتمثل في الرغبة وطلب الاستزادة، فان هذا الشكل المنبعث من الخوف الأزلي من المجهول يعد بلا شك الحلقة الأشد والأكثر وضوحا في بناء الدعاء، الذي - ولو أن حالة الخوف الكبرى الشاخصة أمام الجميع وهي مسألة الحساب والمسألة تشكل الحلقة الأكبر التي يتغافل عنها قصدا الكثيرون - يوضحه الخط البياني المتصاعد، والمرتبط بصورة جلية بحالة عدم الاستقرار والسكون في حياة الانسان.
ولذا فقد أوجدت هذه الحالة الحياتية المستمرة في حياة الانسان التصاقا متفاوتا - وتبعا لشدة القلق والتحسس - وبأشكال متعددة من الأدعية والأوراد اليومية، ذات الاشكال المتفقة أحيانا والمختلفة في أحيان اخر. والاستقراء المتأني لمجمل ما كتب وما قيل من أصناف الأدعية المتصلة بهذا الجانب الحساس توضح عمق الأثر النفسي للدعاء وشدة تعلق المؤمن به، وكذا تبين للمستقرئ حرص أئمة أهل البيت عليهم السلام على تربية المسلمين روحيا وبصورة دقيقة على التعلق بالله تعالى والتوسل به كقوة قادرة وعالمة ورحيمة.