صلى الله عليه وآله فهم كانوا إذا صاروا إليه أفحشوا في القول، وأفرطوا في السفه، ورموه بالفروث والدماء (١)، وألقوا في طريقه الشوك، وحثوا في وجه صلى الله عليه وآله التراب.
فلما دخل مكة عليهم عنوة، قام خطيبا، فقال: أقول كما قال أخي يوسف:
﴿لا تثريب عليكم اليوم﴾ (2) فكرم (3) عفوه عنهم معروف (4) إذ قابل منكرهم بالمعروف.
وكان صلى الله عليه وآله أحفظ الناس للتوراة، والإنجيل، والزبور، وكتب جميع الأنبياء عليهم السلام، وأقاصيص الرسل (5) والأمم، من غير دراسة ولا قراءة كتب.
وكان صلى الله عليه وآله يعرف أخبار الملوك والجبابرة، وكون العبر والمثلاث في جميع الدهور السالفة والآنفة، من لدن آدم وما بعده إلى قيام الساعة (6).
وكان الصدق شعاره ودثاره (7)، وكان أوفاهم عقدا [وعهدا].
وغدر قريش والعرب به مرة بعد أخرى مشهور في قصة الحديبية وغيرها.
ثم لا يستطيع أحد أن يذكر له غدرة ولا كذبة، لا في حداثته ولا كهوليته، وكانوا يسمونه قبل نبوته (8): [الصادق] الأمين.
وأما زهده صلى الله عليه وآله فقد ملك من أقصى اليمن إلى شجر عمان، إلى أقصى الحجاز إلى نواحي العراق، ثم توفي (9) وعليه دين، ودرعه مرهونة بطعام أهله، ما ترك درهما ولا دينارا، ولا شيد قصرا، ولا غرس نخلا لنفسه، ولا شق نهرا.