فجميع هذه الخلال (1) الحميدة، وغيرها من مكارم الأخلاق [ما لم نذكره] قد بلغت فيهم غاية، وأدركت منزلة خرقت العادات، وصارت من المعجزات فما يستطيع منافق [ولا كافر] أن يقول فيهم غميزة ولاشتارا (2)، ولا عيبا ولا عارا بل يثني عليهم - اضطرارا - كل عدو وحاسد، ويمدحهم كل زنديق وجاحد كما حمدهم (3) الله تعالى إلى أنبيائه المتقدمين، وباهى بهم الملائكة المقربين إذ لم يقع منهم قط عثرة، ولا غدرة، ولا فجرة (4).
وكانت من جميع الناس سواهم سقطات وهفوات، ولم يقعد إليهم شر الناس على [الأكثر و] الأغلب، إلا صار خير الناس، وقد أطبق الثقلان، وأهل السماوات والأرضين، أنهم كانوا أزهد الناس، وأعلمهم [وأحلمهم] وأشجعهم، وأفضلهم، وصارت كل خصلة خير، وخلة بر من سيرهم وأخلاقهم إلى درجة خارقة للعادة.
وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد.
فصل أما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه كان يعلم جميع ما علمه الله تعالى آدم، وجميع الأنبياء والملائكة، وقد علمه الله تعالى ما لم يعلموا، وأوصله إلى ما لم يصلوا، كان في طول الأيام يلقى السفه (5) بالحلم، والأذى بالاحتمال، والتضييق بالصبر.
والعجب من قريش! فهم كانوا أحلم (6) جيل في الأرض، إلا فيما بينهم وبينه