كالعلك المسخن، وأصحابي هؤلاء وقوف ما أغنوا عني سطوته، ولا كفوني شره، فلا جزاهم الله عني خيرا "، فإنهم لما نظروا إلى بريق عينيه سجدوا (1) فرقا، وسالت جباههم عرقا، وخمدت أرواحهم كأنما (2) نظروا إلى ملك موتهم، فوالذي رفع السماء بغير أعمادها (3)، لقد اجتمع على فك هذا القطب مائة رجل - أو يزيدون - من أشداء العرب، فما قدروا على فكه، فدلني عجز الناس عن فتحه أنه سحر منه، أو قوة ملك قد ركبت فيه، ففك هذا الان عني إن كنت فاكه، وخذ لي منه بحقي إن كنت آخذه، وإلا لحقت بدار عزتي ومستقر كرامتي، فقد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت ضحكة لأهل الديار.
فالتفت أبو بكر إلى عمر، وقال: أما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل - في كلام طويل - إلى أن دعوا قيس بن سعد بن عبادة، وقال لهم ما هو مشهور، فصبروا إلى أن وافوا أمير المؤمنين عليه السلام، فقاموا بأجمعهم إليه واستأذنوا عليه، فدخلوا ومعهم خالد فلما بصر إلى خالد قال: " نعمت صباحا يا أبا سليمان، نعم القلادة قلادتك " - في كلام طويل شرحه - وتشفع أبو بكر فلم يجب إلى ذلك، إلى أن قام بريدة الأسلمي، وطارق بن شهاب، والأشجع بن حمدان العجلي (4) فقالوا: يا أبا الحسن، والله ما لخالد وعنقه إلا من حمل باب خيبر بقوة يده، ودحا به وراء ظهره، وحمله حتى عبر الناس عليه.