وقرحت أفئدتهم لمكانك، منهم عمار بن ياسر ابن سمية السوداء، والمقداد، وأخا غفار، وابن العوام، وغلامين أعرف أحدهما بوجهه، وغلام أسمر حبشي قد بقل وجهه (1) فتبين لي المنكر من قلوبهم، والحسد في احمرار أعينهم، وقد توشح بدرع رسول الله صلى الله عليه وآله ولبس رداءه، وقد أسرج له دابته، وقد نزل على عين ماء، فلما رآني اشمأز وبربر (2)، وأطرق موحشا فقبض على لحيته، فبادرته بالسلام استكفي شره واتقي وحشته (3)، فنزلت، ونزل من معي بحيث نزلوا اتقاء من مراوغته، فبدأ بي ابن ياسر بقبيح لفظه، ومحض عداوته، يقرعني بما كنت (تقدمت به إلي) (4)، فالتفت إلي الأصلع الرأس، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد، وكقعقة الرعد.
فقال لي بغضب منه: " أو كنت فاعلا يا أبا سليمان؟ " فقلت:
وأيم الله، لو أقام على رأيه لضربت الذي في عيناك، فأغضبه قولي إذ صدقته، وأخرجه إلى طبعه الذي أعرفه له عند الغضب، وبدرت عيناه علي، فعلمت أنه قد عزب عنه عقله، فقال لي: " يا ابن اللخناء، مثلك يقدر (5) على مثلي، ويجسر (6) أن يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة، ويلك إني لست من قتلاك وقتلى صاحبك (7)، وإني لأعرف بمنيتي ومقتلي منك بنفسك " ثم ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسي، وجعل يسوقني إلى رحى الحارث بن كلدة فعمد إلى القطب الغليظ فمد عنقي بكلتا يديه ولواه في عنقي، ينفتل له