من القول في أن الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون الذي يدل على أن الله تعالى لا يفعل ذلك انا وجدنا قد قبحه في عقولنا لا لعلة من نهى أو غيره بل جعل العقول شاهدة بأنه قبيح لنفسه وما كان قبيحا لنفسه لا للنهي عنه فلن يجوز ان يفعله فاعل إلا وقد خرج من كونه حكيما ولو جاز ان يكلفنا سبحانه وتعالى ما لا نطيق لجاز ان يكلف الأعمى النظر والأخرس النطق والزمن العدو ولجاز ان يكلف السيد منا عبده ذلك ويعاقبه على ما لا يقدر عليه وهذا كله واضح البطلان (فعلم) انه لا يكلف أحدا من عباده إلا ما يطيقه ويستطيعه (فإن قالوا) ان تكليف ما لا يطاق قبيح و هو حسن من خالقنا لأن الخلق خلقه والامر امره ولا يسال عما يفعل وهم يسئلون قيل لهم فأجيزوا عليه الاخبار بالكذب وقولنا ان ذلك قبيح بيننا حسن من خالقنا لأن الخلق خلقه والامر امره ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فإن اعتقدوا ذلك وجب ان لا يثقوا بشئ مما تضمنه القرآن من الاخبار وان امتنعوا منه طولبوا بعلة الامتناع فمهما قالوه في قبح الاخبار بالكذب من قول قيل لهم قد قبح تكليف ما لا يطاق مثله فاما ما يشهد من القرآن بان الله تعالى لا يكلف ما لا يطاق فقوله سبحانه * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وقوله عز وجل * (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) * (فصل) من القول في أن القدرة على الايمان هي قدرة على الكفر مما يدل على ذلك ان الكافر مأمور بالايمان فلو كانت قدرة الايمان ليست معه كان قد كلف ما لا يطيقه وقد تقدم القول في فساد هذا وإذا كانت معه فلا يجوز أن تكون غير قدرة الكفر الحاصلة له لما في ذلك من اجتماع الضدين فعلم أنها قدرة واحدة تصلح للضدين على أن يفعل بها ما يتعلق به اختيار المكلف منها فإن قالوا إذا كانت قدرته على الضدين فيجب ان يفعلهما معا قيل لهم لا يجب ذلك لأن القدرة غير موجبة للفعل والقادر بها مخير غير مجبر (فإن قالوا) فجوزوا ان يختارهما فيفعلهما قيل لهم هذا غير صحيح ولا جائز لأن الاختيار هو ان يختار أحدهما على الأخر فيفعله بدلا منه ولا يصح ذلك فيهما معا وبعد فهما ضدان وكل واحد منهما ترك لصاحبه فلا يصح ان يوجدا في حال واحد معا وقد أجمع المسلمون على أن الله تعالى يقدر على أن يبقي العبد على حاله ويغنيه ويحييه ويميته ولا يجوز ان يفعل ذلك أجمع في وقت واحد فإن قيل فإذا كان الله تعالى قد اعطى العبد قدرة تصلح للكفر فقد أراد الكفر منه (قلنا) ليس الامر كذلك لأن الله سبحانه انما أعطاه القدرة ليطيع بها مختارا فلو كانت لا تصلح الا للطاعة لكان في فعلها
(٤٢)