كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٥٣
استحقاق الوصف بالجود والحكمة فلما كان هذا فيما بينا على ما وصفنا وكان الله تعالى قادرا حكيما جوادا عالما بمواضع حاجة عباده آمرا لهم بطاعته وترك عداوته والرجوع إلى ولايته لا يضره الاعطاء ولا يلحق به صفة الذم ولا ينفعه المنع ولا يزيد في ملكه علمنا أنه لا يفعل بعباده إلا ما كان أصلح بحالهم في دينهم وأدعاها إلى طاعته صحة كان أو سقما لذة كان أو ألما آمنوا أو كفروا أطاعوا أم عصوا قال الله تعالى لرسوله عليه السلام * (قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * طه هذا حين علم أن الدعاء على جهة اللين أصلح له ثم قال في موضع آخر * (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك أخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) * الانعام حين كانت الشدة والغلظة أصلح في دعائهم إلى التضرع والخشوع لديهم واعلم أن الأصلح إذا فعل بالعبد لا يضطره إلى ايجاد الفعل وإنما هو تيسر في ايجاده ومعونة عليه كما أن القدرة لا تضطر العبد إلى ايجاد الفعل وإنما هي تمكين منه وازاحة للعلة فيه فمن نسب الله تعالى إلى أنه تعالى لا يفعل بمن كلفه الا الأصلح فقد جعله بخيلا ومقتصدا ومن نسبه إلى أن لا يعطى من كلفه الطاعة القدرة عليها فقد جعله ظالما جائرا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فإن قال قائل إذا كان قد فعل بجميع خلقه الأصلح فقد ساوى بين وليه وعدوه ومن ساوى بينهما فغير حكيم في فعله قلنا إنما التسوية بينهما ان يثيبهما جميعا أو يمدحهما أو يفعل بهما جميعا ما يشتهيانه ويلذهما وليس التسوية بينهما ان يفعل لهما ما يكون ادعى إلى طاعته وازجر عن معصيته الا ترى ان رجلا لو كان له عبدان قد اطاعه أحدهما وعصاه الأخر فقصد إلى الذي اطاعه فمدحه وأعطاه ليزداد بذلك رغبته في طاعته ويرغب عبيده في فعلها وقصد إلى الأخر فشتمه وعاقبه على ذنبه الذي ارتكبه ليزجره عن معصيته ويصير إلى طاعته وينزجر غيره أيضا عن مثل فعله لكان قد فعل بكل واحد منهما ما هو أصلح له ولم يجز ان يقال مع ذلك أنه قد ساوى بينهما وقد أمر الله تعالى عبديه المؤمن والكافر بالطاعة ونهاهما جميعا عن المعصية وأقدرهما على ما كلفهما وأزاح عللهما ولا يقال مع ذلك أنه قد ساوى بينهما إلا أن يراد بالمساواة انه قد عدل فيهما ولم يظلم أحدهما فذلك صحيح فإن قال إذا أوجبتم ان يفعل بعباده كل ما فيه صلاحهم في دينهم وفي أداء ما كلفهم فقد أوجبتم ان لما عنده مما فيه صلاحهم غاية ونهاية قلنا لسنا نقول ذلك بل نقول لا غاية لما عند الله تعالى مما فيه صلاح العباد ولا نهاية له ولا نفاد وان في سلطانه وقدرته أمثالا لما فعله بهم مما فيه صلاحهم و
(٥٣)
مفاتيح البحث: الضرر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»