كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٤٠
لا يطيقون وقد شهد بذلك قوله عز وجل * (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) * وإنما جازت العبادة بذلك ونحوه لما فيه من التذلل والخضوع والاستكانة والخشوع فيجوز على هذا الوجه ان نسأله ان يهدينا الصراط المستقيم بمعنى يدلنا عليه وإن كان قد دل وهدى جميع المكلفين قال الله تعالى * (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) * (مسألة) لهم قالت المجبرة ما معنى قول الله تعالى * (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا) * وكيف يجوز ان يتعبدنا بالدعاء بذلك وعندكم ان النسيان من فعله سبحانه ولا تكليف على الناس في حال نسيانه (جواب) يقال للمجبرة لسنا نحيل ان يكون المراد من النسيان المذكور في هذه الآية السهو وفقد العلم ويكون وجه الدعاء إلى الله تعالى بترك المؤاخذة عليه جاريا مجرى ما تقدم ذكره من الانقطاع إليه واظهار الفقر إلى مسئلته والاستعانة به وإن كان مأمونا منه في المؤاخذة بمثله على المعنى الذي أوضحنا قبل هذه المسألة ويجوز أيضا ان نحمل النسيان المذكور فيها على أن المراد به الترك كما قال سبحانه * (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى) * أي فترك ولولا ذلك لم يكن فعله معصية كقوله * (نسوا الله فنسيهم) * أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته وقد يقول الرجل لصاحبه لا تنسنى من عطيتك اي لا تتركني منها وانشد أبو عرفة (ولم أك عند الجود للجود قاليا) (ولا كنت يوم الروع للطعن ناسيا) يعنى تاركا ويشهد بصحة ذلك قول الله عز وجل * (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) * بمعنى وتتركون أنفسكم (فصل) من الفرق بين مذهبنا ومذهب المجبرة في الافعال التي نعتقده ان الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يثيبهم ولا يعاقبهم الا على ما يفعلون وان الايمان فعل المؤمن وان الكفر فعل الكافر وتزعم المجبرة ان الله تعالى يكلف العبد ما لا يطيقه ويامره بما لا يقدر عليه ولا يتأتى منه ويثيبه ويعاقبه على ما لم يفعله والايمان والكفر فعلان لله تعالى ونعتقد ان القدرة التي أعطاها الله تعالى للعبد هي قدرة على الايمان والكفر وانه يفعل بهما أيهما شاء باختياره ولا يصح ان يفعلهما معا في حال واحدة لتضادهما فقد حصل من هذا ان الذي امره الله بالايمان ونهاه عن الكفر قادر على ما امره به ونهاه عنه و صح انه سبحانه لا يكلف العبد الا ما يستطيعه وتزعم المجبرة ان القدرة التي أعطاها الله عز وجل للعبد لا تصلح إلا لشئ واحد أما للايمان وأما للكفر وان قدرة الايمان تضاد قدرة الكفر ولا يصح اجتماعهما معا فالذي معه قدرة الايمان
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»