بها مضطرا ويخرج من كونه مختارا والمضطر لا معنى لتوجه الامر والنهى إليه ولا يحسن ثوابه وعقابه على أمر هو مضطر فيه (فصل) من القول في أن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد وانها فعل لهم على سبيل الاحداث والايجاد من الدليل على أنه سبحانه لم يفعلها ان فيها قبايح من كفر وفسق وظلم وكذب وليس بحكيم من فعل القبائح ولا يجوز من الحكيم أيضا ان يخلق سب نفسه وشتمه وسوء الثناء عليه ثم نحن نعلم أن من فعل شيئا اشتق له اسم من فعله كما يقال في من فعل الحركة انه متحرك ومن فعل السكون انه ساكن ومن فعل الضرب ضارب ومن فعل القتل قاتل فلو كان الله تعالى هو الفاعل لأفعالنا والخالق لها دوننا لوجب ان يسمى بها جل الله عز وجل عن ذلك وتعالى والذي يدل على انها فعل لنا دون غيرنا وقوعها بحسب تصورنا وارادتنا وانتفاء المنفى منها بحسب كراهتنا وانتظام ما ينتظم منها بحسب مبلغ علومنا واختلالها بقدر اختلالاتنا فلو كانت فعلا لغيرنا لم يكن الامر مقصودا على ما ذكرنا ونحن قد نفرق ضرورة بين حركة نحدثها في بعض جوارحنا وبين الرعشة إذا حدثت في عضو منا ونرى وقوع أحد الحركتين عن قصد ووقوع الأخرى بخلاف ذلك فلسنا نشك في أن إحديهما حادثة منا وفعل في الحقيقة لنا وهي الكائنة عن قصدنا (وشئ آخر) وهو ان الله تعالى خلق فينا الشيب والهرم والصحة والسقم ولم يأمرنا بشئ من ذلك ولا نهانا عنه ولا مدح الشاب على شبيبته ولا ذم الشيخ لشيخوخته عدلا منه سبحانه في حكمه فلو كانت الطاعات والمعاصي أيضا من فعله وخلقه لجرت مجرى ذلك وقبح ان يأمرنا بطاعة أو ينهانا عن معصية ولم يصح على شئ من ذلك مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب وهذا واضح لمن عقل (فصل) من القول إن الله تعالى لا يريد من خلقه الا الطاعة وانه كاره للمعاصي كلها وأما الذي يدل على أنه سبحانه لا يريد المعاصي والقبائح ولا يجوز ان يشاء شيئا منها وانه كاره لها ساخط لجميعها فهو وانه تعالى نهى عنها والنهى إنما يكون نهيا بكراهة الناهي للفعل المنهى عنه الا ترى ان أحدنا لا يجوز ان ينهى إلا عما يكرهه فلو كان النهى في كونه نهيا غير مفتقرة إلى الكراهية لم يجب ما ذكرناه لأنه لا فرق بين قول أحدنا لغيره لا يفعل كذا وكذا ناهيا له و بين قوله انا كاره له كما لا فرق بين قوله افعل أمرا له وبين قوله انا مريد منك ان تفعل وإذا كان سبحانه كارها لجميع المعاصي والقبائح من حيث كان ناهيا عنها استحال ان يكون مريدا لها لاستحالة ان يكون مريدا كارها
(٤٤)