قد كلف ترك الكفر وهو غير قادر عليه والذي معه قدرة الكفر قد كلف فعل الايمان ولا قدرة معه عليه فحصل من هذا تكليف ما لا يطاق والزام ما لا يستطاع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ونعتقد ان القدرة على الفعل توجد قبله وان الفعل يوجد بعدها فالمأمور بالايمان قادر عليه غير فاعل له وإنما أمر بمعدوم ليوجده وهو يقع ويحصل ثاني وقت القدرة كما قدمناه وكذلك المنتهى عن الكفر إنما نهى وهو قادر على أن يفعل كفرا يقع منه في ثاني حال قدرته فإن كان كافرا وقت قدرته فكفره ذلك إنما صح منه بقدرة أخرى تقدمته وتزعم المجبرة ان القدرة على الفعل توجد هي والفعل معا ولا يتأخر الفعل عنها فالمأمور بالايمان ومعه قدرة عليه إنما أمر بموجود والمنتهى عن الكفر ومعه قدرة عليه إنما نهى عن موجود فكأنه قيل للمؤمن افعل ما قد فعلت والموجود المفعول لا يفعل وقيل للكافر لا تفعل ما قد فعلت وما قد فعل ووجد لا يصلح الامتناع منه وهذا تخبيط محكم ونعتقد ان القدرة غير موجبة للمقدور ولا حامله عليه وان القادر مخير بين ان يفعل الشئ أو ضده بدلا منه (وتزعم المجبرة) ان القدرة موجبة للمقدور حامله عليه ولا يصح وجودها إلا والمقدور معها ونعتقد ان المقدور الكائن بالقدرة هو فعل للعبد في الحقيقة سواء كان طاعة أو معصية أو مباحا وان العبد محدث الفعل وموجده وتزعم المجبرة ان جميع المقدورات فعل الله تعالى وهو المحدث لسائر الافعال في الحقيقة ولا محدث سواه ويقولون ان معنى قولنا ان العبد فعل انما هو اكتسب فإذا سئلوا عن حقيقة الكسب لم يتحصل منهم فيه فائدة تعقل وتعتقد ان الله تعالى لا يريد من العباد إلا الطاعة وانه مريد لما أمر به كاره لما نهى عنه وتزعم المجبرة ان الله تعالى يريد من قوم الطاعة ويريد من آخرين معصيته وانه قد يأمر الكافر بالايمان ولا يريده منه فقد امره بما لا يريد ونهى عما أراد ونعتقد ان الله تعالى إذا أراد شيئا فهو كان يحبه ويرضاه وإذا كره شيئا فإنه لا يحبه ولا يرضاه وتزعم المجبرة ان الله عز وجل قد يريد شيئا ويشاؤه ولا يحبه ولا يرضاه وانه قد يكره شيئا ويحبه ويرضاه وهذه مناقضة لا تخفى على عاقل وكل ما ذهبنا إليه في الافعال بما وصفناه وعددناه فالمعتزلة توافقنا عليه وتخالفنا المجبرة فيه وكل من قال الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يعذبهم على ما لم يفعلوا فهو من أهل العدل ومن خالف في ذلك فهو من أهل الجور والجبر (فصل)
(٤١)