يفعل نفسه ويكونها ولا يصح من شئ ان يفعل الا ان يكون حيا قادرا ولا يصح منه ان يفعل الحكم المتقن الا بعد كونه عالما وهذا كله على أن المعدوم لا يؤمر وان الشئ لا يفعل نفسه ولم يبق إلا أن يكون ذلك مجازا في القول والمراد به الاخبار عن تيسر الفعل على الله سبحانه إذا اراده وانه غير متعذر منه ومتى أراد كونه كان بغير حائل ولا مانع حتى كان الذي يريده لو كان حيا قادرا يصح ان يكون نفسه ثم امره الله تعالى بذلك ليبادر إليه ولم يتأخر عنه ومثل ذلك قول الله عز وجل ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين وليس المراد ان السماء والأرض وهما جماد نطقتا وإنما المعنى تيسر فعلهما وما اراده فيهما فكأنهما لو كانتا حيا قادرا في حكم الاحياء القادرين الذين يصح منهم النطق و الاتيان لقالتا إذا امرنا بالاتيان آتينا طائعين ونظير هذا في الكلام كثير والناس يجعلون من تيسر منه الفعل كان فعله قد اطاعه ويقولون للشاعر الحاضر الخاطر ان القوافي لتسمع وتطيع وانك لتراها رأى العين وانها لمحصورة بين يديك ومرادهم انها لا يتعذر عليه متى رامها ولا يتوقف في شئ منها إذا قصدها فكأنها لو كانت في حيز ما ترى لرآها أو في حكم من يطيع لاطاعت امره إذا امرها فاما الاخبار عن السماء والأرض بأنهما قالتا آتينا طائعين بلفظ التذكير فيحتمل ان يكون المعنى آتينا بمن فينا ومن يصح فيه التذكير ومن ذلك قول الله عز وجل يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد وجهنم في الحقيقة لا يصح ان يخاطب ولا يقع منها القول فالمعنى انها لو كانت في حكم من يخاطب ويصح منها القول لقالت هل من مزيد وقيل في الآية بوجه آخر وهو ان الذكر لها أو الخطاب في الحقيقة متوجه إلى خزنتها وهم القائلون هل من مزيد وإنما أضيف ذلك إليها كما يقال قالت البلدة الفلانية اي قال أهلها قال الله تعالى واسئل القرية التي كنا فيها والمراد أهلها ومن ذلك قول الله عز وجل يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وقوله جل اسمه وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مره وإليه ترجعون فالقول عندنا ذلك كله انه على الاستعارة ومجاز اللغة دون الحقيقة والمعنى فيه ان الجوارح لو كانت مما تنطق لنطقت على أصحابها بالشهادة وقالت أنطقنا الله وقد يجوز في ابعاض الانسان ما يقام الشهادة بفعله وان لم يكن نطق والعرب تقول رب عين أنطق من لسان ويقولون
(١٥)