له منقبة في حجة سمع ولا عقل، بل قد شهدت الآية التي تلوتموها في ذلك بزلل الرجل، ودلت على نقصه وأنبأت عن سوء أفعاله بما نحن موضحون عن وجهه، إن شاء الله تعالى.
وأما ما ادعيتموه من أنس الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله، فهو توهم منكم وظن يكشف عن بطلانه الاعتبار، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله مؤيد بالملائكة المقربين الكرام، والوحي ينزل عليه من الله تعالى حالا بحال، والسكينة معه في كل مكان، وجبرئيل عليه السلام آتيه بالقرآن وعصمته والتوفيق من الله تعالى والثقة بما وعهده من النصر والظفر يرفع عنه الاستيحاش، فلا حاجة إلى أنيس سوى من ذكرنا، لا سيما وبمنقوص عن منزلة الكمال، خائف وجل، يحتاج إلى التسكين والرفق والمداراة.
وقد نطق بصفته هذه صريح القرآن، وأنبأ بمحنة النبي صلى الله عليه وآله، وما عالجه من تدبيره له بالتسكين والتشجيع وتلافي ما فرط منه لشدة جزعه وخوفه وقلقه، كي لا يظهر منه ما يكون به عظيم الفساد، حيث يقول سبحانه فيما أخبر به عن نبيه صلى الله عليه وآله: {لا تحزن إن الله معنا} (1).
وبعد: فلو كان لرسول الله صلى الله عليه وآله مؤنس على ما ادعاه الجاهل، لم يكن له بذلك فضل في الدين، لأن الأنس قد يكون لأهل التقوى والإيمان بأمثالهم من أهل الإيمان، وبأغيارهم من أهل الضلال والبهائم والشجر والجمادات، بل ربما أنس العاقل بمن يخالفه في دينه،