الحج، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة، أو سنتين، وكان الناس في حيرة، فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي، فقالوا: قد اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي، ونحتاج أن تحملها معك، وتسلمها بحيث يجب تسليمها.
قال: فقلت: يا قوم، هذه حيرة، ولا نعرف الباب في هذا الوقت.
قال: فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك. فاحمله (1) على ألا تخرجه من يديك إلا بحجة.
قال: فحمل إلي ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت، فلما وافيت قرميسين (2)، وكان أحمد بن الحسن مقيما بها، فصرت إليه مسلما، فلما لقيني استبشر بي، ثم أعطاني ألف دينار في كيس، وتخوت ثياب من ألوان معتمة (3)، لم أعرف ما فيها، ثم قال لي أحمد: احمل هذا معك، ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة.
قال: فقبضت منه المال، والتخوت بما فيها من الثياب.
فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة (4)، فقيل لي: إن ها هنا رجلا يعرف بالباقطاني يدعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعي بالنيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعي بالنيابة.
قال: فبدأت بالباقطاني، فصرت إليه، فوجدته شيخا بهيا، له مروءة ظاهرة، وفرس (5) عربي، وغلمان كثير، ويجتمع عنده الناس يتناظرون. قال: فدخلت إليه، وسلمت عليه، فرحب، وقرب، وبر، وسر. قال: فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فعرفته أني رجل من أهل الدينور، ومعي شئ من المال، أحتاج أن أسلمه.