ولا سبيل إلى الاحتمال الثاني لما مر، من أنه كان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، ولا يمكن البلوغ إلى هذه الذروة العالية إلا بعد الاخذ بمجامع أطراف هذا الفن كما هو، وقد عد النجاشي من كتبه " كتاب الرجال " (1)، وهذا من الظهور بمكان لا يحتاج إلى البرهان.
فإذا علم أنه كان عنده من الأخبار الصحيحة ما يتم به إنجاح مسؤوله، وكان عارفا بها، مميزا للغث من السمين، وعازما على جمعه الصحاح عند التأليف، وملتفتا إلى مرام السائل ومقصده بعد الجمع، كما عرفت أنه كتب الخطبة بعد التأليف، فاحتمال وجود الضعاف في كتابه اما لعدم وجود الصحيح عنده، وعدم عثوره عليه عند الحاجة، أو لعدم تمييزه بينه وبين الضعيف، فخلط بهما وجمع الكتاب منهما، أو لغفلته عنده عن مرام السائل، وعزمه على انجاحه، فصار كسائر المؤلفين الذين بنوا على مجرد جمع الاخبار من صنف واحد أو أصناف، صونا لها عن التضييع والتشتت، أو لنسيانه بعد الشروع في مقصده، أو انصرافه عنه.
وقد عرفت بطلان كل ذلك حسب ما عرفت من حاله، وذكر في ترجمته، وصرح به في خطبة الكتاب، مع أنه لو كان فيه الضعاف فاحتمال اندراجها فيه غفلة ونسيانا، ساقط من وجوه لا تخفى، ومع التعمد لا يسوغ له أن يقول: وقد يسر الله تعالى تأليف ما سالت، فإنه كذب وتدليس، وأن يقول: وأرجوا أن يكون بحيث توخيت، إذ مع علمه بها يعلم أن كتابه غير حاو لما سأله، فلا يكون قطعا بحيث توخاه، فأين موضع الرجاء؟ لأنما يصدق هذا الكلام إذا أتى بما طلب منه، ولكن احتمل فيه الغفلة والنسيان، الغير المنافي لكون