شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٨٢
(فقد عرف الله بالله) أي بما يليق به وهو أنه هو الله المبدء المسلوب عنه صفات الخلق ومشابهتهم كما قال: ليس كمثله شيء (وإذا شبهه بالروح أو البدن أو النور) أو بغير ذلك من الجواهر والأعراض (فلم يعرف الله بالله) إذ كل ما اتصف بمشابهة شيء من ذلك فهو مصنوع مثله ليس هو الله الصانع جل شأنه وإنما اقتصر في معرفة الله بالله على ذكر الصفات السلبية ولم يذكر معرفته بالصفات الثبوتية الذاتية إما لأن الصفات الذاتية أيضا عند التحقق راجعة إلى السلب فإن قدرته عبارة عن عدم عجزه عن شيء وعلمه عبارة عن عدم جهله بشيء وعلى هذا كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «كمال التوحيد المطلق والإخلاص المحقق لا يتقرر إلا بنفض جميع ما عداه عنه ونفي مشابهته بالغير ويسميه أهل العرفان بمقام التخلية (1) ولما كان مقام التخلية مقدما على مقام التحلية وكان الغرض من هذا الحديث تعليم كيفية السلوك إليه سبحانه وكانت العقول البشرية القاصرة عن إدراك حقيقة وحقيقة صفاته سائرة من هذا العالم المحسوس إليه مع رفاقه الوهم والخيال وكان الوهم حاكما بمثليته تعالى لمدركاته من المحسوسات ومشابهته بالمخلوقات اقتصر على ذكر السلب للتنبيه على أنه يجب على السالك أن يغسل درن الحكم الوهمي في شأنه تعالى عن لوح الخيال فهو أهم بهذا الاعتبار.
وإن أردت زيادة توضيح فنقول: لمعرفته تعالى طريقان (2) الأول معرفة الحق بالحق ومعرفة ذاته الحقة بذاته أو بجميع الصفات الكمالية التي هي نفس ذاته الأحدية لا بواسطة أمر خارج عنه وحيثيات مغايرة له، وهذه المعرفة ليست لمية لتعاليه عن العلة ولا إنية لعدم حصولها بواسطة المعلول وأيضا المعرفة اللمية والإنية إنما تحصلان بالنظر والاستدلال وهذه المعرفة إنما تحصل بالكشف والظهور للكمل من أوليائه كما قال سيد المرسلين «لي مع الله وقت لا يسعه ملك مقرب ولا نبي مرسل» وهي مرتبة الفناء في الله (3) بحيث لا يشاهد فيها غيره فهو معروف بالذات لا بغيره

1 - قوله «ويسميه أهل العرفان بمقام التخلية» شبه تنزيه الله تعالى عن النقائص بتخلية القلوب والنفوس عن الرذائل والانهماك في حب الدنيا. (ش) 2 - قوله «لمعرفة الله طريقان» والأحسن أن يثلث الطريق كما فعل في شرح الحديث الأول وأحسن منهما أن لا يحد بعدد كما أشار إليه هناك وقوله «وليست لمية لتعاليه عن العلة» لأن البرهان اللمي هو الاستدلال من العلة على المعلول ولا علة له تعالى وبرهان الصديقين الذي أشار إليه الشارح فيما سبق شبيه باللم عندهم إذ ليس استدلالا من المعلول وإن لم يكن من العلة وهو النظر في أصل الوجود والحق أن الكليني لا يريد من معرفة الله بالله إثبات وجوده به بل تصور ذاته بذاته لا بمشابهة ما سواه. (ش) 3 - قوله «هي مرتبة الفناء» قلنا في حواشي الوافي إن الجسم والجوهر الذي يجعل جنسا للتعاريف إنما حصل في ذهننا من مقايسة الموجودات بعضها مع بعض وملاحظة اشتراكها في معنى عام كالجسمية المشتركة بينها ولا يجوز تعريف ماهيته تعالى بالجسمية والجوهرية وهذه المعاني المنتزعة من الممكنات إذ يثبت التشبيه. بل يجب في مقام التعريف أن يقال هو هو وهو ذاته ولا يحكى عنه ولا يشبه شيئا غيره لا مجردا كالروح حتى يقال في جنسه إنه جوهر ولا ماديا كالأبدان حتى يقال إنه جسم انتهى ما أردنا نقله وبالجملة إذا عرفناه بالجسم والجوهر وهذه الأمور فقد عرفناه بغيره، وأن قلنا إنه هو ولا يشبه شيئا فقد عرفنا الله بالله وليس المقصود إثبات وجوده بوجوده. (ش)
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست