(فقد عرف الله بالله) أي بما يليق به وهو أنه هو الله المبدء المسلوب عنه صفات الخلق ومشابهتهم كما قال: ليس كمثله شيء (وإذا شبهه بالروح أو البدن أو النور) أو بغير ذلك من الجواهر والأعراض (فلم يعرف الله بالله) إذ كل ما اتصف بمشابهة شيء من ذلك فهو مصنوع مثله ليس هو الله الصانع جل شأنه وإنما اقتصر في معرفة الله بالله على ذكر الصفات السلبية ولم يذكر معرفته بالصفات الثبوتية الذاتية إما لأن الصفات الذاتية أيضا عند التحقق راجعة إلى السلب فإن قدرته عبارة عن عدم عجزه عن شيء وعلمه عبارة عن عدم جهله بشيء وعلى هذا كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «كمال التوحيد المطلق والإخلاص المحقق لا يتقرر إلا بنفض جميع ما عداه عنه ونفي مشابهته بالغير ويسميه أهل العرفان بمقام التخلية (1) ولما كان مقام التخلية مقدما على مقام التحلية وكان الغرض من هذا الحديث تعليم كيفية السلوك إليه سبحانه وكانت العقول البشرية القاصرة عن إدراك حقيقة وحقيقة صفاته سائرة من هذا العالم المحسوس إليه مع رفاقه الوهم والخيال وكان الوهم حاكما بمثليته تعالى لمدركاته من المحسوسات ومشابهته بالمخلوقات اقتصر على ذكر السلب للتنبيه على أنه يجب على السالك أن يغسل درن الحكم الوهمي في شأنه تعالى عن لوح الخيال فهو أهم بهذا الاعتبار.
وإن أردت زيادة توضيح فنقول: لمعرفته تعالى طريقان (2) الأول معرفة الحق بالحق ومعرفة ذاته الحقة بذاته أو بجميع الصفات الكمالية التي هي نفس ذاته الأحدية لا بواسطة أمر خارج عنه وحيثيات مغايرة له، وهذه المعرفة ليست لمية لتعاليه عن العلة ولا إنية لعدم حصولها بواسطة المعلول وأيضا المعرفة اللمية والإنية إنما تحصلان بالنظر والاستدلال وهذه المعرفة إنما تحصل بالكشف والظهور للكمل من أوليائه كما قال سيد المرسلين «لي مع الله وقت لا يسعه ملك مقرب ولا نبي مرسل» وهي مرتبة الفناء في الله (3) بحيث لا يشاهد فيها غيره فهو معروف بالذات لا بغيره