(وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثا فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث) أي من الحيثيات التقييدية الثابتة لنا أو من المكان المخصوص القائم به نسبة ما مثل جلست حيث زيد جالس ولا نعرف حيثا غير ذلك وامتناع اتصاف خالق الحيث به ضروري لا يقبل الإنكار.
(فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان) لا كدخول الجسم والجسمانيات فيه بل بمعنى العلم والإحاطة به (1) والحفظ وليس علمه بالأمكنة وما فيها كعلم المخلوق الذي يحتاج إلى الانتقال من مكان إلى آخر ليعلمه ويعلم ما فيه، لأن الله العظيم المتعال لا يحتاج في العلم بها إلى الحركة والانتقال، ولا يخرج من علمه مكان، ولا يشتغل هو بمكان، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان بل نسبة جميع الأمكنة إلى قدس ذاته على السواء (2) وهذا الكلام كالنتيجة للسابق ولذلك فرع عليه بالفاء ووجه التفريع ظاهر لأنه إذا كان خالقا للأمكنة كان عالما بها بالصرورة، ولما كان المتبادر من الدخول في كل مكان هو الحلول فيه أشار إلى ما يخرجه عن هذا المعنى إلى المعنى المجازي الذي ذكرناه بقوله (وخارج من كل شيء) لا كخروج الجسم والجسمانيات وغيرهما من المخلوقات لاستحالة ذلك على الله سبحانه بل بمعنى تقدس ذاته عن الكون في شيء ويحتمل أن يقال معناه أنه متميز بذاته وصفاته عن كل شيء، لا يشاركه شيء بوجه من الوجوه.
(لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) أشار بذلك إلى بعده عن مدارك عقول العارفين فضلا عن عقول الجاهلين، وقربة إلى جميع المخلوقين والعلم بأحوالهم وأسرارهم، ولما ذكر جملة من صفاته التي تقتضي تفرده بالإلهية والعلو والعظمة المطلقة صرح بذلك وقال: (لا إله إلا هو العلي العظيم اللطيف الخبير) تنبيها على أن هذا غاية معرفته وأن به يتم نظام التوحيد والإخلاص، ويحصل التصديق بعلمه بجلائل الأمور وخفياتها.