- 2 - ليس معنى هذا أن المتأخرين يخترعون الألفاظ، أو يخلقون لغة من العدم، فالمادة الأولية للغة ثابتة، ولكن اشكالها متجددة، وأي باحث يدرك بأدنى تأمل أن الاشكال اللغوية لا تثبت على حال، فهناك صيغ تولد لم يكن الناس يعرفونها من ذي قبل - كما ولدت كلمات سوكرة، وتأمين، وتأميم... وغيرها - فتشيع وتنتشر وتأخذ مكانها في الاستعمال إلى أمد ثم لا يلبث بعضها أن يذبل، أو يموت لتخلف مكانها كلمة أخرى، كما كانت كلمة " النشيطة " وحل محلها كلمة " صفي " أو تموت لا إلى خلف كما ماتت كلمات: المرباع، والمكس، والإتاوة، والحلوان بمعنى الاجر.... وغيرها من مئات الكلمات (1).
ولكن السؤال الآن: ما الذي يدعو إلى مثل هذا التطور في عناصر اللغة ومدلولات ألفاظها؟
- 3 - لن نفصل القول في الأسباب التي تدعو إلى ولادة بعض الألفاظ في اللغة، لان تفصيل القول يخرجنا عما نحن فيه من هذا المدخل في (لغة الفقهاء) بين يدي معجمنا هذا الذي يختص بسبب معين لبيان التطور الدلالي الذي لحق (العربية) في أصواتها ومفرداتها وأساليب دلالاتها، فاللغة مرآة تنعكس عليها حضارة الأمة، ونظمها، وعقائدها، واتجاهاتها العقلية.
ونرى أن أهم عامل أدى إلى طروء مثل هذا التبدل في (العربية) كان انتقال العرب من خشونة البداوة إلى لين الحضارة.
فبعد الفتوحات الاسلامية دعت مرافق العمران من زراعة وصناعة وتجارة وملاحة وحياكة وطراز وهندسة وبناء... وما أشبه ذلك من الحرف والفنون إلى الاخذ عن الأمم الأخرى عادات ومصطلحات ومسميات جديدة في المأكل والمشرب والملبس والفرش والزينة والحلي والأواني والأدوات والأسلحة والأجهزة والطب والصيدلة، ولما لم يعهد العرب التعبير عن هذه المستحدثات في حياتهم الأولى، فقد أخذوا في نقل قسم من ألفاظها الأعجمية بعد تعريبها والتصرف بها، كما لجأوا إلى الاشتقاق والتوسع في الكناية والمجاز أيضا "، وهكذا تولدت ألفاظ جديدة