فأما القريب الذي يمكنه المشي، فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه، لأنها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها.
وقد جاء في بعض روايات الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسر السبيل بالزاد والراحلة.
فعن أنس رضي الله عنه، قال: قيل يا رسول الله ما السبيل (1)؟ قال:
" الزاد والراحلة " رواه الدارقطني وصححه.
قال الحافظ: والراجح إرساله: وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر أيضا، وفي إسناده ضعف.
وقال عبد الحق: طرقه كلها ضعيفة.
وقال ابن المنذر: لا يثبت الحديث في ذلك مسندا، والصحيح رواية الحسن المرسلة. وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا، وذلك أن الله تعالى يقول: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) رواه الترمذي، وفي إسناده " هلال " ابن عبد الله، وهو مجهول، و " الحارث " وكذبه الشعبي وغيره.
والأحاديث، وإن كانت كلها ضعيفة، إلا أن أكثر العلماء يشترط لايجاب الحج الزاد والراحلة لمن نأت داره فمن لم يجد زادا ولا راحلة فلا حج عليه.
قال ابن تيمية: فهذه الأحاديث - مسندة من طرق حسان، ومرسلة، وموقوفة - تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة، مع علم النبي صلى الله عليه وسلم أن كثيرا من الناس يقدرون على المشي.
وأيضا فإن الله قال: في الج: " من استطاع إليه سبيلا " إما أن يعني القدرة المعتبر في جميع العبادات - وهو مطلق المكنة - أو قدرا زائدا على ذلك، فإن كان المعتبر الأول لم تحتج إلى هذا التقييد، كما لم يحتج إليه في آية الصوم والصلاة فعلم أن المعتبر قدر زائدا على ذلك، وليس هو إلا المال.