أهل المعرفة بالقبلة من أهل البلد أو من غيره صار إلى خبره وليس له الاجتهاد كالحاكم يقبل النص من الثقة ولا يجتهد. ويحتمل أنه إنما يلزمه الرجوع إلى الخبر والى المحاريب في حق القريب الذي يخبر عن التوجه إلى عين الكعبة، أما في حق من يلزمه قصد الجهة فإن كان أعمى أو من فرضه التقليد لزمه الرجوع إلى ذلك وإن كان مجتهدا جاز له الرجوع لما ذكرنا كما يجوز له الرجوع في الوقت إلى قول المؤذن ولا يلزمه ذلك بل يجوز له الاجتهاد إن شاء إذا كانت الأدلة على القبلة ظاهرة لأن المخبر والذي نصب المحاريب إنما يبني على الأدلة وقد ذكر ابن الزاغوني في كتاب الاقناع قال: إذا دخل رجل إلى مسجد قديم مشهور في بلد معروف كبغداد فهل يلزمه الاجتهاد أم يجزئه التوجه إلى القبلة؟
فيه روايتان عن أحمد (إحداهما) يلزمه الاجتهاد لأن المجتهد لا يجوز له أن يقلد في مسائل الفقه (والثانية) لا يلزمه لأن اتفاقهم عليها مع تكرر الاعصار إجماع عليها ولا يجوز مخالفتها باجتهاده. فإذا قلنا يجب الاجتهاد في سائر البلاد ففي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم روايتان (إحداهما) يتوجه إليها بلا اجتهاد لأنه عليه الصلاة والسلام لا يداوم عليها إلا وهي مقطوع بصحتها فهو كما لو كان مشاهدا للبيت (والثانية) هي كسائر البلاد يلزمه الاجتهاد فيها لأنها نازحة عن مكة فهي كغيرها (فصل) ولا يجوز الاستدلال بمحاريب الكفار لأن قولهم لا يجوز الرجوع إليه فمحاريبهم أولى إلا أن تعلم قبلتهم كالنصارى فإذا رأى محاريبهم في كنائسهم على أنها مستقبلة المشرق فإن وجد محاريب لا يعلم هل هي للمسلمين أو الكفار لم يجز الاستدلال بها لكونها لا دلالة فيها، وكذلك لو رأى على المحراب آثار الإسلام لجواز أن يكون الباني مشركا عمله ليغر به المسلمين إلا أن يكون مما لا يتطرق إليه هذا الاحتمال ويحصل له العلم أنه محاريب المسلمين فيستقبله.
(فصل) وإذا صلي على موضع عال يخرج عن مسامتة الكعبة أو في مكان ينزل عن مسامتتها صحت صلاته لأن الواجب استقبالها وما حاذاها من فوقها وتحتها لأنها زالت صحت الصلاة إلى موضع جدارها والله أعلم (مسألة) (وان اشتبهت عليه في السفر اجتهد في طلبها بالدلائل وأثبتها بالقطب إذا جعله وراء ظهره كان مستقبلا الكعبة) (1) متى اشتبهت القبلة في السفر وكان مجتهدا وجب عليه الاجتهاد في طلبها بالأدلة لأن ما وجب عليه اتباعه عند وجوده وجب الاستدلال عليه عند خفائه كالحكم في الحادثة.
والمجتهد هو العالم بأدلة القبلة وإن جهل أحكام الشرع لأن كل من علم أدلة شئ كان مجتهدا فيه لأنه