شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٤٥

(ليغفر لك الله ما تقدم...) فهو من أفضل المباحث وأشرفها في هذا العلم، أي، علم التوحيد والنبوة والولاية. قوله: (ما تقدم من ذنبك وما تأخر). يجب أن يعلم أن (الذنب) ما هو يبعد العبد عن المعبود، كما أن (الطاعة) عبارة عن كل ما يقربه، أي العبد، إلى الله. وأما الحضرة النبوية قبل تنزله إلى هذا العالم وقبول خطاب الإلهية بقوله: (أدبر)، كان أقرب الموجودات إلى الله لكونه، عليه السلام، أول نور ظهر في العالم، أو أول تعين وجد من المادة المواد المسمات ب‍ (الهباء)، وكان ينبئ عن ذاته وصفاته وأفعاله.
والمبعدات التي حصلت له في السلسلة النزولية تشأن الحق بشؤونه وصور كمالاته. وأما (ذنب المتأخر) فهو عبارة عن المبعدات والنقصات التي مما لا بد منها في العروج التركيبي المخصوص بالسلسلة الصعودية. وإن كنت في ريب وشك في ما حررناه، فاسمع إلى ما نلقى إليك ونتلوه عليك، بشرط تصفية نفسك المدركة وتلطيف في سرك. ونقول:
إن الأعيان، أي الحقائق الإمكانية، كلها راجعة إلى عين واحدة التي لها السيادة التامة على جميع الأعيان، التي هي من الأبعاض والأجزاء للعين الواحدة، التي نعبر عنها ب‍ (الحقيقة المحمدية) صلى الله عليه وآله وسلم: والاسم الحاكم على المظهر المحمدي، عليه السلام، عبارة عن الاسم الجامع الذي نسميه معنى (الإنسان الكامل المحمدي) صلى الله عليه وآله. وعينه وحقيقته عبارة عن مفتاح مفاتيح المغفرة. وله الشفاعة الكبرى، لأنه متحقق بالاسم (الشفيع)، وللحق إذن، ولمحمد والخلص من أولاده و عترته مقام الشفاعة. وهذه الحقيقة الكلية، التي لها مقام جمع ومقام فرق وتفصيل، عند (فتح المبين) تبدل وجوده الإمكاني بالوجود الحقاني. وهو بعد خلع الجهة الإمكانية وتبدله بالوجود الحقاني والوصول التام، أي الاستهلاك في الحق والبلوع إلى الفناء عن الفنائين والصحو بعد المحو، أي الصحو الثاني والتمكين التام المطلق بعد التلوين، بعون الله تعالى، خاطبه الله بالخطاب الحقاني عن مقام الغيب المغيب بقوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر). والفتح الأعلى هو الفتح المطلق الذي ينتهى إليه أقسام الفتوح، وهو فتح باب الحضرة (الأحدية) ومقام السر. و (الفتح المبين) نتيجة الوصول إلى باب الحضرة (الواحدية) والمرتبة الروحية هذه المرتبة والفناء في (الأحدية).
ثم الرجوع إلى الصحو والوصول إلى الباب (الأحدية) يتوقف على الفناء في التعين الثاني، أي (الواحدية). وإن سئلت الحق، أن العبد السيار في مقام مظهرية التجلي الأسمائي، أي السير السالك في أسمائه تعالى من اسم إلى اسم آخر. وفي كل اسم تلوين ثم تمكين، إلى أن يتحقق السالك بمقام اسم الكلى الشامل لجميع الأسماء الظاهرة، ثم تصل النوبة - إن ساعدته العناية الإلهية وكانت عينه الثابتة مستعدة لقبول المظهرية أو السير - إلى في أسماء الباطنة أو الباطنية، ثم الوصول إلى مقام الجمعية فيها، ثم التحقق بمقام مظهرية اسم (الله) الجامع لجميع الأسماء. نقل وتحقيق في شأن آل البيت ومواليهم: قال الشيخ الكامل، ابن عربي، رضى الله عنه: (ولما كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عبدا محضا، قد طهره الله وأهل بيته تطهيرا و (أذهب عنهم الرجس). فهو كل ما يشينهم. فإن (الرجس) هو القذر عند العرب. قال الله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس و يطهركم تطهيرا). فلا يضاف إليهم إلا مطهر ولا بد). فهذه الآية تدل على أن الله قد شرك أهل البيت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله: (ليغفر لك الله ما تقدم...) شيخ اكبر اهل بيت را به (معصومين) و (غير معصومين) تقسيم كرده است، وارباب عصمت را (اقطاب وجود) خوانده واز ايشان با تعبير (وهم الأقطاب في الوجود) ياد كرده است.
شيخ بعد از بيان آنكه (إنما الله تعالى هو الذي اجتباهم وكساهم حلة الشرف) (وشرفا از اولاد فاطمه وعلى، عليهما السلام، اهل رحمت وسعادت اند). در حق معصومين از عترت گويد: (فما ظنك بالمعصومين المحفوظين منهم، القائمين بحدود سيدهم، الواقفين عند مراسمه، فشرفهم أعلى وأتم. وهؤلاء هم أقطاب هذا المقام). وقد ظهر مما تلونا عليك أن الشيخ، قدس الله سره، بناء على ما في الكتب الحديث المنقول من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صرح بأن الخلافة الإلهية والولاية المطلقة حق طلق لعلى وأبنائه وأولاده من بطن فاطمة الزهراء والعصمة الكبرى، عليهما السلام. قال الأستاذ، إبراهيم المدكور (مقدمة ج 3، طبع عثمان يحيى): (ويبدو ابن عربي هنا أميل إلى على والعلويين، وإن كان لم يعرف بنزعة شيعية واضحة). أقول: لا شك ولا شبهة أن الشيخ الأكبر (قده) صرح في كثير من مواضع كتاب الفتوحات أن العترة لا يقاس بهم أحد، وأن عليا، عليه السلام، كان أقرب الناس إلى رسول الله عليه السلام وسر الأنبياء أجمعين وإمام العالم على الإطلاق. ونحن قد كتبنا في مقدمة هذا الكتاب ما قيل - أو يمكن أن يقال - في هذا المقام. وقد ذكرنا في تعاليقنا أن الشيخ في الفروع يعد من الحنابلة، أتباع أحمد بن حنبل، و في الأصول عارف يصرح بأن الولاية محمدي المحتد وعلوي المشرب. والله يقول الحق و هو يهدى السبيل. (ج)
(١٠٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1041 1042 1043 1044 1045 1045 1051 1052 1053 1054 1055 ... » »»