الأصول الأصيلة - الفيض القاساني - الصفحة ٩١
عز وجل: يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به. قلت: فكيف يصنعان؟ - قال: ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فأني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.
قلت: فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا ان يكونا ناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ - قال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفهمهما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر. قال: قلت: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه (1) قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكم عليه المجمع عليه بين أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وانما الأمور ثلاثة، أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى الله ورسوله، قال رسول الله (ص): حلال بين وحرام بين، وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم. قلت: فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ - قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة. قلت: جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والاخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ - قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا؟ - قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر. قلت: فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ - قال: فإذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (2).

١ - في الوافي " على الاخر ".
٢ - قال في الوافي بعد نقله في باب اختلاف الحديث والحكم (ج 1 ص 53):
" يه - داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت: في رجلين اختار كل واحد منهما رجلا (الحديث).
بيان - دين بفتح الدال، والطاغوت الشيطان مبالغة من الطغيان والمراد هنا من يحكم بغير الحق لفرط طغيانه أو لتشبيهه بالشيطان أو لان التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث إنه الحامل له على الحكم كما نبه عليه تتمة الآية: ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا، وعن أمير المؤمنين (ع) كل حكم حكم بغير قولنا أهل البيت عليهم السلام فهو طاغوت ثم قرأ هذه الآية، والسحت الحرام، والكفر بالطاغوت ان يعتقد انه ليس اهلا للتحاكم فمن اعتقد ذلك ثم أراد التحاكم إليه فهو خائن فان لم يرد لكن اضطر إليه كما إذا لم يوجد هناك عدل أو كان خصمه لا يرضى بالتحاكم إلى العدل فحينئذ يحتمل حل ما اخذ إذا كان حقا له ثابتا لأنه كافر به وقد اضطر إلى التحاكم إليه من غير إرادة منه ولعل ذلك هو السر في قوله تعالى: " يريدون ان يتحاكموا " دون " يتحاكمون ".
ثم ظاهر هذا الخبر عدم الفرق في حرمة ما اخذ بحكم الطاغوت بين ما لو تحاكما فيه إلى العدل لم يحكم له بذلك وبين ما حكم له بذلك لان الاخذ في كليهما بحكم الطاغوت واما في صورة الاضطرار فالظاهر الفرق هذا كله إذا كان الحاكم هو الطاغوت فاما إذا كان الحاكم هو العدل وانما اخذ حقه منه بقوة سلطان الطاغوت لتوقف اخذ حقه على الاستعانة به فليس مما نحن فيه في شئ بل ذلك حديث آخر والظاهر أنه لم يحرم الحق بذلك ثم ظاهر هذا الخبر وما في معناه مما يأتي في أبواب القضاء من كتاب الحسبة وروده في سلاطين المخالفين وقضاتهم وفي حكمهم فساق قضاة الشيعة وحكامهم الذين يأخذون الرشا على الاحكام وتوابعها ويحكمون بغير حكم أهل البيت عليهم السلام لدخولهم في الطاغوت سواء كانوا عارفين بأحكام أهل البيت عليهم السلام أم لا، أما إذا لم يحكموا بين الخصمين وانما حملوها على الصلح واخذ البعض والابراء عن الباقي فذلك حديث آخر، من كان منكم اي من الشيعة الإمامية. وعرف أحكامنا اي من أحاديثنا المحكمات لامن اجتهاد في المتشابهات واستنباطه الرأي منها بالظنون والخيالات باستعانة الأصول المخترعات. المجمع عليه اي المتفق على نقله المشهور بينهم وليس المراد به الاجماع المصطلح بين أصحابنا اليوم كيف والكلام في الحديث وروايته لا القول والافتاء به ولهذا قال: ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور فالمراد بالمجمع عليه بين أصحابك في هذا الحديث هو بعينه ما عبر عنه بالمشتهر بين أصحابك في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته فقلت:
جعلت فداك يأتي عنكم الخبران (فذكر الخبر الذي مر نقله في أوائل هذا الأصل، (انظر ص 87 من الكتاب الحاضر).
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»