تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٥٦
ذلك، ولا مانع - كما في " البحر " - من جعل الكل أسبابا، وعلى الخلاف في المخاطبين يجيء الكلام في (رسولكم) فإن كان المؤمنين فالإضافة على ما في نفس الأمر وما أقروا به من رسالته صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا غيرهم فهي على ما في نفس الأمر دون الإقرار، و (ما) مصدرية، والمشهور أن المجرور نعت لمصدر محذوف - أي سؤالا كما - ورأى سيبويه أنه في موضع نصب على الحال، والتقدير عنده أن تسألوه أي السؤال (كما) وأجاز الحوفي أن تكون (ما) موصولة في موضع المفعول به لتسألوا أي كالأشياء التي سألها موسى عليه السلام قبل وهو الأنسب لأن الإنكار عليهم إنما هو لفساد المقترحات، وكونها في العاقبة وبالا عليهم - وفيه نظر - لأن المشبه * (أن تسألوا) * وهو مصدر، فالظاهر أن المشبه به كذلك، وقبح السؤال إنما هو لقبح المسؤول عنه، بل قد يكون السؤال نفسه قبيحا في بعض الحالات مع أن المصدرية لا تحتاج إلى تقدير رابط - فهو أولى - و * (من قبل) * متعلق بسئل وجيء به للتأكيد. وقرأ الحسن وأبو السمال (سيل) - بسين مكسورة وياء - وأبو جعفر والزهري، - باشمام السين الضم وياء - وبعضهم بتسهيل - الهمزة - بين بين - وضم السين -.
* (ومن يتبدل الكفر بالايم‍ان فقد ضل سوآء السبيل) * جملة مستقلة مشتملة على حكم كلي أخرجت مخرج المثل جيء بها لتأكيد النهي عن الاقتراح المفهوم من قوله: * (أم تريدون) * الخ معطوفة عليه، فهي تذييل له باعتبار أن المقترحين الشاكين من جملة - الضالين الطريق المستقين المتبدلين - و (سواء) بمعنى وسط أو مستوى، والإضافة من باب إضافة الوصف إلى الموصوف لقصد المبالغة في بيان قوة الاتصاف كأنه نفس - السواء - على منهاج حصول الصورة في الصورة الحاصلة - والفاء - رابطة وما بعدها لا يصح أن يكون جزاء الشرط لأن ضلال الطريق المستقيم متقدم على - الاستبدال - والارتداد لا يترتب عليه، ولأن الجزاء إذا كان ماضيا مع (قد) كان باقيا على مضيه لأن (قد) للتحقيق، وما تأكد ورسخ لا ينقلب، ولا يترتب الماضي على المستقبل، ولأن كون الشرط مضارعا والجزاء ماضيا صورة ضعيف لم يأت في الكتاب العزيز - على ما صرح به الرضي وغيره - فلا بد من التقدير بأن يقال: ومن يتبدل الكفر بالإيمان فالسبب فيه أنه تركه، ويؤل المعنى إلى أن ضلال الطريق المستقيم - وهو الكفر الصريح في الآيات - سبب للتبديل والارتداد، وفسر بعضهم - التبدل - المذكور بترك الثقة بالآيات باعتبار كونه لازما له فيكون كناية عنه، وحاصل الآية حينئذ ومن يترك الثقة بالآيات البينة المنزلة بحسب المصالح التي من جملتها الآيات الناسخة التي هي خير محض، وحق بحت واقترح غيرها فقد عدل وجار من حيث لا يدري عن الطريق المستقيم الموصل إلى معالم الحق والهدى، وتاه في تيه الهوى، وتردى في مهاوي الردى، واختار ما في النظم الكريم إيذانا من أول الأمر على أبلغ وجه بأن ذلك كفر وارتداد، ولعل ما أشرنا إليه أولى كما لا يخفى على المتدبر، وقرىء * (ومن يبدل) * من - أبدل - وإدغام - الدال في الضاد - والإظهار قراءتان مشهورتان.
* (ود كثير من أهل الكت‍ابلو يردونكم من بعد إيم‍انكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره إن الله على كل شىء قدير) * * (ود كثير من أهل الكت‍اب) * وهم طائفة من أحبار اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد: ألم تروا إلى ما أصابكم، ولو كنتم على الحق لما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم، رواه الواحدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. وروي أن فنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا ذلك لحذيفة رضي الله تعالى عنه من حديث طويل، ذكر الحافظ ابن حجر أنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث.
* (لو يردونكم) * حكاية لودادتهم، وقد تقدم الكلام على (لو) هذه فأغنى عن الإعادة * (من بعد إيم‍انكم كفارا) * أي مرتدين، وهو حال من ضمير
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»