تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٤٧
صلى الله عليه وسلم وليست شاهدة بالعلم على الإطلاق إذ هم بمراحل عنه، واستدل بالآية على أن العالم بالحق يجب عليه إظهاره ويحرم عليه كتمانه بالشروط المعروفة لدى العلماء.
* (وأقيموا الصلواة وآتوا الزكواة واركعوا مع الراكعين) * * (وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكواة) * المراد بهما - سواء كانت اللام للعهد أو للجنس - صلاة المسلمين وزكاتهم لأن غيرهما مما نسخه القرآن ملتحق بالعدم، والزكاة في الأصل النماء والطهارة، ونقلت شرعا لإخراج معروف، فإن نقلت من الأول فلأنها تزيد بركة المال وتفيد النفس فضيلة الكرم، أو لأنها تكون في المال النامي وإن نقلت من الثاني فلأنها تطهر المال من الخبث والنفس من البخل. واستدل بالآية حيث كانت خطابا لليهود من قال: إن الكفار مخاطبون بالفروع واحتمال أن يكون الأمر فيها بقبول الصلاة المعروفة والزكاة والإيمان بهما، أو أن يكون أمرا للمسلمين - كما قاله الشيخ أبو منصور - خلاف الظاهر فلا ينافي الاستدلال بالظاهر، وقدم الأمر بالصلاة لشمول وجوبها ولما فيها من الإخلاص والتضرع للحضرة، وهي أفضل العبادات البدنية وقرنها بالزكاة لأنها أفضل العبادات المالية، ثم من قال: لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب قال: إنما جاء هذا بعد أن بين صلى الله عليه وسلم أركان ذلك وشرائطه، ومن قال بجوازه قال بجواز أن يكون الأمر لقصد أن يوطن السامع نفسه - كما يقول السيد لعبده إني أريد أن آمرك بشيء فلا بد أن تفعله - * (واركعوا مع الراكعين) * أي صلوا مع المصلين وعبر بالركوع عن الصلاة احترازا عن صلاة اليهود فإنها لا ركوع فيها وإنما قيد ذلك بكونه مع الراكعين لأن اليهود كانوا يصلون وحدانا فأمروا بالصلاة جماعة لما فيها من الفوائد ما فيها، واستدل به بعضهم على جوبها. ومن لم يقل به حمل الأمر على الندب أو المعية على الموافقة وإن لم يكونوا معهم، وقيل: - الركوع - الخضوع والانقياد لما يلزمهم من الشرع قال الأضبط السعدي: لا تذل الفقير علك أن * (تركع) يوما والدهر قد رفعه ولعل الأمر به حينئذ بعد الأمر بالزكاة لما أنها مظنة ترفع فأمروا بالخضوع لينتهوا عن ذلك إلا أن الأصل في إطلاق الشرع المعاني الشرعية: وفي المراد بالراكعين قولان: فقيل: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقيل: الجنس وهو الظاهر.
ومن باب الإشارة: في قوله تعالى: * (ولا تلبسوا الحق) * الخ أي لا تقطعوا على أنفسكم طريق الوصول إلى الحق بالباطل الذي هو تعلق القلب بالسوي - فإن أصدق كلمة قالها شاعر - كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل * (وتكتموا الحق) * بالتفاتكم إلى غيره سبحانه * (وأنتم تعلمون) * (البقرة: 42) أنه ليس لغيره وجود حقيقي، أو لا تخلطوا صفاته تعالى الثابتة الحقة بالباطل الذي هو صفات نفوسكم، ولا تكتموها بحجاب صفات النفس وأنتم تعلمون من علم توحيد الأفعال أن مصدر الفعل هو الصفة فكما لم تسندوا الفعل إلى غيره لا تثبتوا صفته لغيره * (وأقيموا الصلاة) * بمراقبة القلوب * (وآتوا الزكاة) * أي بالغوا في تزكية النفس عن الصفات الذميمة لتحصل لكم التحلية بعد التخلية، أو أدوا زكاة الهمم فإن لها زكاة كزكاة النعم بل إن لكل شيء زكاة كما قيل: كل شيء له (زكاة) * و - زكاة - الجمال رحمة مثلي * (واركعوا) * أي اخضعوا لما يفعل بكم المحبوب، فالخضوع علامة الرضا الذي هو ميراث تجلي الصفات العلى، وحاصله ارضوا بقضائي عند مطالعة صفاتي فإن لي أحبابا لسان حال كل منهم يقول: وتعذيبكم عذب لدي وجوركم * علي بما يقضي الهوى لكم عدل ثم إنه تعالى لما أمرهم بفعل الخير شكرا لما خصهم به من النعم حرضهم على ذلك من مأخذ آخر [بم بقوله سبحانه:
* (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكت‍ابأفلا تعقلون) *
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»