بنون بدل اللام، كما في قوله: تقول أهل السوء لما جينا * هذا ورب البيت (إسرائينا) وأضاف سبحانه هؤلاء المخاطبين إلى هذا اللقب - تأكيدا لتحريكهم إلى طاعته - فإن في إسرائيل ما ليس في اسم الكريم - يعقوب - وقولك: يا ابن الصالح أطع الله تعالى، أحث للمأمور من قولك: يا ابن زيد - مثلا - أطع، لأن الطبائع تميل إلى اقتفاء أثر الآباء - وإن لم يكن محمودا - فكيف إذا كان؟ ويستعمل مثل هذا في مقام الترغيب والترهيب - بناء على أن الحسنة في نفسها حسنة - وهي من بيت النبوة أحسن - والسيئة في نفسها سيئة - وهي من بيت النبوة أسوأ، و * (اذكروا) * أمر الذكر - بكسر الذال وضمها - بمعنى واحد، ويكونان باللسان والجنان، وقال الكسائي: هو بالكسر - للسان - وبالضم - للقلب - وضد الأول الصمت، وضد الثاني النسيان.
وعلى العموم: فإما أن يكون مشتركا بينهما، أو موضوعا لعنى عام شامل لهما والظاهر هو الأول، والمقصود من الأمر بذلك - الشكر على النعمة والقيامة بحقوقها - لا مجرد الأخطار بالجنان، أو التفوه باللسان، وإضافة النعمة إلى ضميره تعالى لتشريفها، وإيجاب تخصيص شكرها به سبحانه، وقد قال بعض المحققين: إنها تفيد الاستغراق - إذ لا عهد - ولمناسبته بمقام الدعوة إلى الإيمان، فهي شاملة للنعم العامة والخاصة بالمخاطبين، وفائدة التقييد بكونها عليهم أنا - من هذه الحيثية أدعى للشكر - فإن الإنسان حسود غيور، وقال قتادة: أريد بها ما أنعم به على آبائهم - مما قصه سبحانه في كتابه - وعليهم من فنون النعمة التي أجلها - إدراك زمن أشرف الأنبياء - وجعلهم من جملة أمة الدعوة له، ويحتاج تصحيح الخطاب حينئذ إلى اعتبار التغليب، أو جعل نعم الآباء نعمهم، فلا جمع بين الحقيقة والمجاز - كما وهم - ويجوز في الياء من * (نعمتي) * الإسكان والفتح، والقراء السبعة متفقون على الفتح، و * (أنعمت) * صلة * (التي) * والعائذ محذوف، والتقدير - أنعمتها - وقرىء - ادكروا - بالدال المهملة المشددة على وزن افتعلوا.
* (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) * يقال: أوفى ووفى - مخففا ومشددا - بمعنى، وقال ابن قتيبة: يقال: أوفيت بالعهد ووفيت به، وأوفيت الكيل لا غير، وجاء - أوفى - بمعنى ارتفع كقوله: ربما (أوفيت) في علم * ترفعن ثوبي شمالات والعهد يضاف إلى كل ممن يتولى أحد طرفيه، والظاهر هنا أن الأول: مضاف إلى الفاعل، والثاني: إلى المفعول، فإنه تعالى أمرهم بالإيمان والعمل وعهد إليهم بما نصب من الحجج العقلية والنقلية الآمرة بذلك، ووعدهم بحسن الثواب على حسناتهم والمعنى: أوفوا بعهدي بالإيمان والطاعة أوف بعهدكم بحسن الإثابة، ولتوسط الأمر صح طلب الوفاء منهم. واندفع ما قال العلامة التفتازاني على ما فيه أنه لا معنى لوفاء غير الفاعل بالعهد، وقيل: - وهو المفهوم من كلام قتادة ومجاهد أن كليهما مضاف إلى المفعول والمعنى - أوفوا بما عاهدتموني من الإيمان والتزام الطاعة أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة، وتفصيل العهدين قوله تعالى: * (ولقد (أخذ الله) ميثاق بني إسرائيل) * إلى قوله سبحانه: * (ولأدخلنكم) * (المائدة: 12) الخ، ويحوج هذا إلى اعتبار أن عهد الآباء عهد الأبناء لتناسبهم في الدين، وإلا فالمخاطبون ب * (أوفوا) * ما عوهدوا بالعهد المذكور في الآية، وقيل: إن فسر - الإيفاء - باتمام العهد تكون الإضافة إلى المفعول في الموضعين، وإن فسر بمراعاته تكون الإضافة الأولى للفاعل والثانية للمفعول