تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٤٩
أو لأن تأثيره - كما قيل - في إزالة ما لا ينبغي، وتأثير الصلاة في حصول ما ينبغي، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح - واللام - فيه للجنس، ويجوز أن يراد بالصبر نوع منه - وهو الصوم - بقرينة ذكره مع الصلاة، - والاستعانة بالصبر - على المعنى الأول: لما يلزمه من انتظار الفرج والنجح - توكلا على من لا يخيب المتوكلين عليه - ولذا قيل: الصبر مفتاح الفرج، وبه على المعنى الثاني: لما فيه من كسر الشهوة وتصفية النفس الموجبين للانقطاع إلى الله تعالى - الموجب لإجابة الدعاء - وأما الاستعانة بالصلاة فلما فيها من أنواع العبادة، ما يقرب إلى الله تعالى قربا يقتضي الفوز بالمطلوب والعروج إلى المحبوب، وناهيك من عبادة تكرر في اليوم والليلة خمس مرات يناجي فيها العبد علام الغيوب، ويغسل بها العاصي درن العيوب، وقد روى حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم إذا حزنه أمر صلى، وروى أحمد أنه إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة، وحمل الصلاة على الدعاء في الآية وكذا في الحديث لا يخلو عن بعد، وأبعد منه كون المراد بالصبر الصبر على الصلاة. * (وإنها لكبيرة إلا على الخ‍اشعين) * الضمير للصلاة - كما يقتضيه الظاهر، وتخصيصها - برد الضمير إليها - لعظم شأنها واستجماعها ضروبا من الصبر، ومعنى - كبرها - ثقلها وصعوبتها على من يفعلها، على حد قوله تعالى: * (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) * (الشورى: 13) والاستثناء مفرغ أي: كبيرة على كل أحد إلا على الخاشعين وهم المتواضعون المستكينون، وأصل - الخشوع - الاخبات، ومنه الخشعة - بفتحات - الرمل المتطامن، وإنما لم تثقل عليهم، لأنهم عارفون بما يحصل لهم فيها متوقعون ما ادخر من ثوابها فتهون عليهم، ولذلك قيل: من عرف ما يطلب، هان عليه ما يبذل، ومن أيقن بالخلف، جاد بالعطية، وجوز رجوع الضمير إلى - الاستعانة - على حد * (إعدلوا هو أقرب للتقوى) * (المائدة: 8) ورجح بالشمول، وما يقال: إن الاستعانة ليست بكبيرة لا طائل تحته، فإن الاستعانة بالصلاة أخص من فعل الصلاة لأنها أداؤها - على وجه الاستعانة بها على الحوائج - أو على سائر الطاعات لاستجرارها ذلك، وقيل: يجوز أن يكون من أسلوب * (والله ورسوله أحق أن يرضوه) * (التوبة: 62) وقوله: إن شرخ الشباب والشعر الأس‍ * - ود ما لم يعاص كان جنونا والتأنيث مثله في قوله تعالى على رأي: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) * (التوبة: 34) أو المراد كل خصلة منها، وقيل: الضمير راجع إلى المذكورات المأمور بها والمنهي عنها، ومشقتها عليهم ظاهرة، وهو أقرب مما قاله الأخفش من رجوعه إلى إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم، والبعيد بل الأبعد عوده إلى الكعبة المفهومة من ذكر الصلاة.
* (الذين يظنون أنهم مل‍اقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) * الظن في الأصل الحسبان - واللقاء - وصول أحد الجسمين إلى الآخر بحيث يماسه، والمراد من ملاقاة الرب سبحانه، إما ملاقاة ثوابه أو الرؤية عند من يجوزها، وكل منهما مظنون متوقع لأنه وإن علم الخاشع أنه لا بد من ثواب للعمل الصالح، وتحقق أن المؤمن يرى ربه يوم المآب - لكن من أين يعلم ما يختم به عمله - ففي وصف أولئك بالظن إشارة إلى خوفهم، وعدم أمنهم مكر ربهم * (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) * (الأعراف: 99) وفي تعقيب الخاشعين به حينئذ لطف لا يخفى، إلا أن عطف * (... أنهم إليه راجعون) * على ما قبله يمنع حمل الظن على ما ذكر - لأن الرجوع إليه تعالى - المفسر بالنشور - أو المصير إلى الجزاء مطلقا، مما لا يكفي فيه الظن والتوقع - بل يجب القطع به - اللهم إلا أن يقدر له عامل - أي ويعلمون - أو يقال: إن الظن متعلق بالمجموع من حيث هو مجموع، وهو كذلك
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»