تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢٣٦
رضي الله تعالى عنه * (فوسوس لهما الشيطان عنها) * والضمير في هذه القراءة للشجرة لا غير، وعوده إلى الجنة بتضمين الأذهاب ونحو بعيد * (فأخرجهما مما كانا فيه) * أي من النعيم والكرامة أو من الجنة. والأول: جار على تقدير رجوع ضمير * (عنها) * إلى الشجرة أو الجنة والثاني: مخصوص بالتقدير الأول لئلا يسقط الكلام. وقيل: أخرجهما من لباسهما الذي * (كانا فيه) * لأنهما لما أكلا تهافت عنهما، وفي الكلام من التفخيم ما لا يخفى * (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) * الهبوط النزول، وعين المضارع تكسر وتضم، وقال المفضل: هو الخروج من البلد، والدخول فيها من الأضداد ويقال في انحطاط المنزلة والبعض في الأصل مصدر بمعنى القطع ويطلق على الجزء، وهو ككل ملازم للإضافة لفظا أو نية ولا تدخل عليه اللام، ويعود عليه الضمير مفردا ومجموعا إذا أريد به جمع والعدو من العداوة مجاوزة الحد أو التباعد أو الظلم، ويطلق على الواحد المذكر ومن عداه بلفظ واحد، وقد يقال: أعداء وعدوة والخطاب لآدم وحواء، لقوله تعالى: * (قال اهبطا منها جميعا) * (طه: 123) والقصة واحدة، وجمع الضمير لتنزيلهما منزلة البشر كلهم، ولما كان في الأمر بالهبوط انحطاط رتبة المأمور لم يفتتحه بالنداء كما افتتح الأمر بالسكنى واختار الفراء أن المخاطب هما وذريتهما وفيه خطاب المعدوم، والمأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وكثير من السلف أنه هما وإبليس واعترض بخروجه قبلهما، وأجيب بأن الإخبار عما قال لهم مفرقا على أنه لا مانع من المعية وقيل: هم والحية، واعترض بعدم تكليفها، وأجيب بأن الأمر تكويني، والجملة الاسمية منصوبة المحل على الحال المقدرة، والحكم باعتبار الذرية وإذا دخل إبليس والحية كان الأمر أظهر، ولا يرد أنه كيف يقيد الأمر بالتعادي وهو منهى عنه لأنا نقول: بصرف توجه النظر عن القيد كون العداوة طبيعية والأمور الطبيعية غير مكلف بها وإن كلف فبالنظر إلى أسبابها، وإذا جعل الأمر تكوينيا زال الإشكال إلا أن فيه بعدا وبعضهم يجعل الجملة مستأنفة على تقدير السؤال فرارا عن هذا السؤال مع ما في الاكتفاء بالضمير دون الواو في الجملة الاسمية الحالية من المقال، حتى ذهب الفراء إلى شذوذه، وإن كان التحقيق ما ذكره بعض المحققين أن الجملة الحالية لا تخلو من أن تكون من سبب ذي الحال أو أجنبية فإن كانت من سببه لزمها العائد والواو كجاء زيد، وأبوه منطلق إلا ما شذ من نحو كلمته فوه إلى في وإن أجنبية لزمتها الواو نائبة عن العائد، وقد يجمع بينهما كقدم بشر وعمرو قادم إليه وقد جاءت بلا ولا كقوله: ثم انتصبنا جبال الصغد معرضة * عن اليسار وعن أيماننا جدد وقد تكون صفة ذي الحال ك‍ * (توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) * (البقرة: 83) وهذه يجوز فيها الوجهان باطراد، وما نحن فيه من هذا القبيل فتدبر.
وإفراد العدو إما للنظر إلى لفظ البعض، وإما لأن وزانه وزان المصدر كالقبول، وبه تعلق ما قبله واللام كما في " البحر " مقوية، وقرأ أبو حيوة * (اهبطوا) * بضم الباء وهو لغة فيه، وبهذا الأمر نسخ الأمر والنهي السابقان.
* (ولكم في الأرض مستقر ومت‍اع إلى حين) * أراد بالأرض محل الاهباط، وليس المراد شخصه الذي هو لآدم عليه السلام موضع بجبل سرنديب ولحواء موضع بجدة، ولابليس موضع بالابلة، ولصاحبته موضع بنصيبين أو أصبهان أو سجستان والمستقر اسم مكان أو مصدر ميمي، ويحتمل على بعد كونه اسم مفعول بمعنى ما استقر ملككم عليه وتصرفكم فيه وأبعد منه احتمال كونه اسم زمان؛
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»